«تسقيف» سعري النفط والغاز الروسيين

22:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

بعد أن أفرغت أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي، على ما يبدو، كل ما في جعبتهما من عقوبات ضد روسيا، ها هما يبتدعان عقوبة جديدة وغريبة من حيث عدم استقامتها مع مبدئهما «المقدس» المتمثل في حرية الأسواق وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد، بما في ذلك التحكم في الأسعار والتلاعب بها. فقد قرر قادة مجموعة السبع (أمريكا وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان)، التي انعقدت في الفترة من 26 إلى 28 يونيو/ حزيران في شلوس إلماو في ألمانيا، دراسة وضع سقف عالمي للأسعار على واردات الطاقة الروسية، وأشارت إحدى فقرات بيان القمة الختامي الذي أوردته وكالة أنباء (رويترز)، إلى «أن الاتحاد الأوروبي سيبحث مع شركاء دوليين سبلاً لكبح أسعار الطاقة الروسية، بما في ذلك جدوى فرض قيود مؤقتة على أسعار الواردات، بما يشمل النفط والغاز».

وكالة (كيودو) اليابانية نقلت عن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا (واليابان هي مستورد صافٍ للنفط والغاز والفحم) على هامش القمة، قوله: «من المتوقع أن يتم تحديد سقف لسعر النفط الروسي بنصف سعره الحالي. كما سننشئ آلية لن تسمح بشراء النفط الروسي بسعر أعلى من السعر المحدد». نفترض أنه يتحدث باسم مجموعة السبع وليس فقط اليابان، فهل يعتقد هو ونظراؤه الآخرون حقاً بأن روسيا ستبيعهم النفط بهذه الطريقة؟ وهل يعتقدون حقاً أن الأسواق لن ترد بارتفاع الأسعار؟

العالمون بأزمة إمدادات الطاقة، وتحديداً الطاقة الأحفورية: النفط والفحم والغاز، الحادثة الآن، يدركون أن تقليص اليابان لوارداتها من الوقود الأحفوري من روسيا، يعد خياراً صعباً، من حيث أن هذه المصادر الهيدروكربونية الثلاثة تؤمن حوالي نصف إجمالي مزيج الطاقة الياباني (هي تستورد تقريباً كل الفحم الذي تستهلكه)، وإن روسيا وحدها، أمّنت في عام 2021، بحسب البيانات الحكومية اليابانية، 11% من إجمالي واردات اليابان من الفحم وحده، وإن روسيا حلت (في نفس العام) خامساً بين أكبر مصدِّري الغاز الطبيعي المسال (LNG) لليابان. رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا كان قد أقر في شهر إبريل/ نيسان الماضي، بأن الفحم الروسي يستخدم على نطاق الصناعة بمجملها، من شركات المرافق إلى مصنعي الأسمنت والصلب. لذلك سوف يتعين علينا أولاً، كما قال، تقييم تداعيات التوقف عن استيراد الفحم والنفط الروسيين، وتأمين البدائل، قبل اتخاذ قرار بهذا الحجم، وعندما سُئل عن تحديد جدول زمني لتأمين البديل، رفض الإجابة عن السؤال.

المخاوف بدأت تساور العديد من الدول التي تستورد النفط الروسي، مثل الهند التي رفضت القبول بالخطة الغربية خشية أن يؤدي «تسقيف» سعر النفط إلى وقف روسيا لصادراتها النفطية إلى الهند، بسبب عدم جدوى السعر، ما يفضي إلى الركود.

فقط نلفت قادة مجموعة السبع أصحاب فكرة تسقيف سعر النفط والغاز، إلى نظرية مقص الأسعار، هل يتذكرونها؟ وكيف كانت الدول النامية تعاني منها مقابل تعاظم ثراء الدول الرأسمالية المتقدمة «بفضل» ممارسة مقص الأسعار. لسنوات وسنوات ظلت الدول المتقدمة تغرف من فارق مقص الأسعار، والآن تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عندما شعرت لبضعة أشهر فقط، بوطأة «مقص الأسعار» عليها.

ومقص الأسعار «Price scissors»، كما هو معروف، هو الفارق بين أسعار المنتجات التي تصدرها الدول المتقدمة للدول النامية وأسعار المنتجات التي تستوردها منها. وأبرز تجليات هذه الظاهرة التاريخية (التي ما زالت قائمة)، تتمثل في هبوط أسعار المنتجات الزراعية والمعادن والمواد الخام وثبات و/أو ارتفاع أسعار السلع الصناعية. ما يعني، أن مقصات الأسعار هي الأكثر تدميراً للبلدان التي تعدّ مصدراً صافياً للمنتجات الزراعية والمعادن والمواد الخام ومستوردات صناعية صافية. لتهدئة خواطر الدول النامية، بعد مباحثات مضنية (في إطار منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»)، وإلحاحات استهلكت معظم عقد ستينيات القرن الماضي، وافقت الدول المتقدمة في سبعينيات القرن الماضي على استحداث مقاربة سعرية انتقائية حملت مسمى «نظام الأفضليات المعمم»

( GSP) (Generalized System of Preferences)، منحت بموجبه خفضاً للتعريفات الجمركية المفروضة على صادرات مجموعة البلدان النامية المصنفة بالأقل نمواً (Least developed countries). وكالعادة تم تسييس هذه الآلية الاقتصادية التعاونية العالمية. وقد تكون استنفدت زخمها، فقد أنهت أمريكا العمل بها في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020، وستنتهي صلاحية هذا النظام في الاتحاد الأوروبي في العام المقبل، ما لم تقرر المفوضية في بروكسل تمديدها للفترة من 2024 إلى 2034، كما هو مقرر.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"