قانون الحرب وتحديات التطور التكنولوجي

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

مع تطور صناعة الأسلحة واستئثارها باستثمارات مالية ضخمة على المستويات، الإقليمية والدولية، وتنامي التهديدات الإرهابية والبيئية والرقمية، والمخاطر غير «الدولاتية»، تتصاعد الأسئلة يوماً بعد يوم حول ما إذا كان القانون الدولي الإنساني، أو ما يعرف بقانون الحرب، قادراً على مواكبة النزاعات المسلحة التي ازدادت خطورتها بشكل غير مسبوق في الوقت الراهن، مع امتلاك الدول أسلحة فتاكة، بيولوجية ونووية وكيماوية، وعودة البريق إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية كسبيل لتحقيق الأهداف والمصالح، في تحدٍّ واضح لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة المتصلين بمنع استخدام القوة، أو مجرد التهديد بذلك في العلاقات الدولية.

 فالحرب الروسية – الأوكرانية الجارية، وقبلها التدخل العسكري الأمريكي في العراق وفي أفغانستان، كلّها محطات قاسية تسائل بجدية نجاعة مقتضيات القانون الدولي الإنساني الذي يشمل مجموعة من المبادئ والقواعد التي تسعى إلى تنظيم وسائل الحروب، إضافة إلى توفير الحماية الإنسانية للسكان المدنيين، والمقاتلين المرضى والجرحى، وأسرى الحرب، وهي تتمحور أساساً حول عدد من الاتفاقيات كاتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، علاوة على المعاهدات متعددة الأطراف التي اعتمدتها الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، كاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية الشامل لعام 1966، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999، والاتفاقية الدولية لقمع الإرهاب النووي لعام 2005.. وكذا الجهود التي يباشرها مجلس الأمن في سياق حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.

 حقيقة أن قواعد القانون الدولي الإنساني، لا تمنع حدوث الحروب، لكنها تعمل على الموازنة بين الضرورة العسكرية من جهة، ومتطلبات الحماية الإنسانية من جهة أخرى.

 وفي هذا السياق، ناقش الطالب الباحث الفلسطيني باسل أمين عبد العزيز رجوب، مؤخراً، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، في إطار مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسية في كلية الحقوق بمراكش، أمام لجنة علمية من الأساتذة المختصين، تناول فيها موضوع: «القانون الدولي الإنساني في ظل تحديات التطور التكنولوجي»، وقد نال الباحث على إثرها درجة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية.

 سلطت هذه الأطروحة في قسمها الأول الضوء على أهم المعيقات القانونية والواقعية التي تعتري تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة، لا سيما المرتبطة بالتطور التكنولوجي في وسائل وأساليب الحرب، كما أبرزت أثر ظاهرتَي اللاتجانس واللاتكافؤ في النزاعات المسلحة على الأمن الإنساني.

 كما تناولت بشكل تشاطري آثار التطور التكنولوجي في مجال الأسلحة الحركية وأسلحة الفضاء الرقمي في النزاعات المسلحة السيبرانية، إذ تضمنت مجموعة من الإحصاءات والتقارير المرتبطة بالكلفة المدنية لاستخدام الطائرات من دون طيار في المناطق الحضرية، والمدن المأهولة بالسكان المدنيين، وحلّلت أثر استخدام أنظمة الأسلحة المستقلة ذاتية التشغيل على التقدير الموضوعي والتقييم العقلاني لفرص الامتثال لأحكام القانون الدولي الإنساني أثناء سير المعارك.

 كما تضمنت الأطروحة أيضاً فصلاً خاصاً بالتطور التكنولوجي في مجال الأسلحة السامة ومسببات الأمراض، وتضاعف تأثيرها في ظل العولمة، وتنامي حجم التدفقات العابرة للحدود، وكذلك أبرزت دور التكنولوجيا في إنتاج أسلحة نووية وكهرومغناطيسية أكثر فتكاً بالإنسانية.

 وتم تخصيص القسم الثاني منها بشكل كامل لأسلحة الفضاء الرقمي والحروب الدولية السيبرانية، وناقشت تطور مفهوم القوة في العلاقات الدولية، وأثر ذلك في مبادئ أساسية في القانون الدولي، كالسيادة الوطنية والدفاع الشرعي والحياد.

 وأبرزت الأطروحة كذلك، أثر تداخل الشبكات المدنية والعسكرية في الفضاء السيبراني، ودور ذلك في مفاقمة المخاطر التي تتعرض لها البنية التحتية الحيوية والممتلكات الرقمية الخاصة، كذلك سلطت الضوء على تداخل أدوار الفواعل الدولاتية واللادولاتية في الفضاء السيبراني، وحلّلت مدى القدرة على تحقيق التوازن بين المصالح المتضادة في الفضاء السيبراني، بين حق أطراف النزاع المسلح في تحقيق نصر سيبراني، والحفاظ على الاعتبارات الإنسانية التي يقتضيها مبدأ الإنسانية الذي يرتكز عليه القانون الدولي الإنساني.

 ومكّن البحث في موضوع الأطروحة الباحث من الوصول إلى مجموعة من الخلاصات والنتائج، أهمها: أن التطور التكنولوجي فرض ضرورة تطور مفاهيم قانونية أساسية؛ كتطور مفهوم الميزة العسكرية والمشاركة المباشرة في الأعمال العدائية.

 قاد البحث كذلك إلى أن المشكلة الأساسية التي يواجهها القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة، لا تنحصر في عدم الكفاية المعيارية، بل في عدم رغبة الدول التي تنخرط في النزاعات المسلحة في الامتثال لأحكام القانون الدولي الإنساني، وبحثها المتواصل عن آليات تمكنها من الالتفاف على قواعده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"