رهان فرنسي

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

على الرغم من الخلافات الفرنسية الروسية حول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفشل محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اتصالاته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لوقف الحرب الدائرة هناك، إلا أن قنوات الاتصال بين الجانبين لم تغلق، بل يمكن العمل على تنشيطها في أي وقت.

صحيح أن الاتصالات بين ماكرون وبوتين متوقفة منذ حوالي أكثر من شهرين، إلا أن المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، أكدت، قبل أيام، أن باريس مهتمة بالحفاظ على قنوات الحوار مع روسيا، لأنها ستكون ضرورية عندما يحين وقت المفاوضات، فيما صدرت أكثر من مرة تصريحات مماثلة عن الكرملين والخارجية الروسية. هذا يعني أن هناك نظرة مستقبلية لكلا الجانبين للاستفادة من إبقاء خطوط التواصل مفتوحة بينهما لحل المشاكل المتفاقمة التي تعصف بالقارة العجوز. وبطبيعة الحال، يدرك الجانبان أن التطورات في القارة الأوروبية ستصل إلى نقطة لا بد معها من الجلوس إلى مائدة الحوار والتفاوض. ناهيك عن أن العلاقات الفرنسية الروسية لها تاريخ طويل، ولا توجد، في الأصل مصلحة فرنسية ولا حتى أوروبية مباشرة في معاداة روسيا، بل هناك ما يشير إلى أن أمن أوروبا وروسيا مترابطان، ولا يمكن لأحدهما أن يحقق أمنه على حساب الآخر. 

ما يحدث الآن هو أن القارة الأوروبية بدأت تستنزف في موضوع الحرب الأوكرانية وتدفع ثمناً باهظاً طالما بقي هذا الجرح نازفاً بسبب إحكام القبضة الأمريكية على القرار الأوروبي، والخلافات الدائرة بين جناحي حلف «الناتو» الأمريكي والأوروبي، والتي تحول دون التوصل إلى تسوية تحافظ على الأمن الأوروبي، وتوفر لروسيا ضماناتها الأمنية. غير أن واشنطن ترى الأمور بمنظار آخر، يقوم على استنزاف روسيا، وهزيمتها عسكرياً إن أمكن، استناداً إلى الدعم اللامحدود والأسلحة الحديثة والمتطورة التي تقدمها لأوكرانيا، وهي هنا مستفيدة أيضاً من تشغيل مصانع الأسلحة الحربية لديها، ناهيك عن الحفاظ على بقاء أوروبا كياناً اقتصادياً تابعاً لها أطول فترة ممكنة، وهي تدرك أنها تخاطر في ذلك مع علمها الأكيد أن روسيا لن تسمح بهزيمتها عسكرياً مهما كلف الأمر.

 ماكرون حاول، منذ البداية، أن يغرد خارج السرب، انطلاقاً من إدراكه أن أوروبا هي التي تدفع الثمن، إن كان على صعيد الاقتصاد واختلال أمن الطاقة بسبب إمدادات النفط والغاز، وما يسببه ذلك للشعوب الأوروبية من معاناة، وما ينتج عنه من توقف لقطاعات صناعية هامة، وإضرابات اجتماعية وحالة عدم استقرار في معظم الدول الأوروبية، أو حتى على صعيد الأمن الذي سيبقى مهدداً بدون التوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية وإعادة صياغة الأمن الأوروبي على أسس جديدة. وماكرون كان منذ عهد إدارة ترامب يعمل على تحقيق «السيادة الدفاعية الأوروبية» بمعزل عن الولايات المتحدة بالتعاون مع شريكته المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، لكن الانقسامات الأوروبية الراهنة تحول دون ذلك. وبالتالي فهو يدرك أن التوصل إلى تفاهم مع موسكو يبقى رهاناً مستقبلياً مهماً لتهدئة التوترات وحل المشكلات الأوروبية في إطار المصالح المشتركة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"