عادي
رسام البساطة في الحياة الإنجليزية

جورج ليزلي يرسم شاعرية الأنوثة في «بنات حواء»

17:47 مساء
قراءة 4 دقائق
بنات حواء
بنات حواء

الشارقة: عثمان حسن
جورج دنلوب ليزلي (1835 - 1921) هو سليل عائلة فنية معروفة في إنجلترا، ولد في ليندفيلد، ساسكس، وعرف كرسام ومؤلف ومصور، والده هو الفنان تشارلز روبرت ليزلي. التحق أولاً بأكاديمية كاري للفنون، وفي 1854 انتسب إلى الأكاديمية الملكية؛ حيث أقام معرضه الأول فيها في 1859، وفي مرحلة لاحقة من حياته المهنية أصبح زميلاً في الأكاديمية، وأكاديمياً ملكياً كاملاً في 1876، فصار من أبرز الشخصيات المؤثرة في نشاطات الأكاديمية، وصارت أعماله حاضرة في كافة معارضها السنوية وتحقق نجاحاً ملحوظاً.
في عام 1914 نشر جورج ليزلي مذكرات بعنوان «الحياة الداخلية للأكاديمية الملكية»، وله أيضاً مؤلفات أخرى منشورة بينها «رسائل إلى ماركو» (1893) و«رسائل ريفرسايد» (1896).
عاش في بواكير حياته في سانت جونز وود (لندن)، وكان عضواً في مجموعة «سانت جون وود» وهي مجموعة من الفنانين الذين فضلوا موضوعات بسيطة ذات صلة بالحياة المنزلية، بين 1884 و1901 كان مقيماً في «ريفرسايد»، سانت ليونارد لين، والينجفورد، أوكسفوردشاير. عرفت أخته ماري ليزلي (1833-1907)، بكونها فنانة أيضاً.

  • الأسلوب الأكاديمي

أظهرت أعمال جورج ليزلي المبكرة، تأثيرات ما قبل مدرسة «الرفائيلية»، لكنه سرعان ما غادر هذه المدرسة، ليجد نفسه منجذباً للأسلوب الأكاديمي في الرسم، بهدف عرض «صور من الجانب المشرق للحياة المنزلية الإنجليزية». وقد عرف عنه ميله الشديد لاستخدام الأطفال كموضوعات لأعماله، وقد حظي جورج ليزلي بإشادات كثيرة من النقاد، نظراً لخفة موضوعاته التي تظهر الجانب المبهج من الحياة، وقد رسم ليزلي الكثير من اللوحات في هذا الإطار، لكن أبرزها على الإطلاق لوحة «بنات حواء» والتي تعكس صفاء ورشاقة أسلوبه في الرسم.
تظهر لوحة «بنات حواء» ثلاث فتيات، يبدو أنهن توقفن لوهلة عن المهمة الرئيسية التي تواجدن لأجلها في البستان، وهي نشر الغسيل، إلى قطف التفاح؛ حيث تقف واحدة على كرسي وتوزع الفاكهة لأختها، وهناك فتاة صغيرة تستلقي على جذع الشجرة وفي يدها تفاحة نصف مأكولة. يفترض كما يشير النقاد أن اللوحة قد رسمها ليزلي في حديقة منزله القريب من نهر التايمز، حينذاك، كان ليزلي شغوفاً بالنباتات والبستنة، كما أن العديد من موضوعات لوحاته هي موضوعات مستلهمة من الحدائق وعالم الزهور والأعشاب.
ترتدي الفتيات في اللوحة فساتين من طراز «ريجنسي» وهو أسلوب تم تبنيه من قبل أعضاء ما يُسمى (فرقة سانت جون وود للرسامين) ومنهم: الفنان نفسه وفيليب كالديرون، وويليام فريدريك، وجورج أدولفوس ستوري، وفريد ووكر، وماركوس ستون، وقد كان ليزلي عضواً بارزاً في هذه المجموعة في سبعينات القرن التاسع عشر. يظهر إحساس ليزلي بتلك الفترة التي تعود للعصر الفيكتوري من خلال كرسي «ويندسور» الذي تقف عليه الفتاة، وأيضاً السياج الخشبي المطلي باللون الأبيض في الخلفية. كان ليزلي منجذباً بقوة إلى العصر الفيكتوري المتأخر، وكان ينظر إليه بوصفه أكثر إرضاء للفنان من الناحية الجمالية والفنية.

الصورة
جورج ليزلي
  • إطار «بنات حواء»

كما كتب حولها كلمات قصيدة الشاعرة الإنجليزية كريستينا جيورجينا روسيتي (1830-1894) التي تربط فيها بين تغير الفصول والحب المفقود، وفي القصيدة تشير إلى أولئك الذي يقطفون محصول التفاح بلغة شاعرية كقولها: في رياح سبتمبر المنعشة / تهتز الثمار برأسها الثقيل على أغضانها المنحنية / وتسقط من البراعم / بعضها يتوهج بلون ذهبي في الشمس / وبعضها يتلون بالأخضر والمخزز/ وبعضها بفصوص وردية.
تبنى ليزلي في هذه اللوحة أسلوباً يراعي خفة جماليات التصوير، وظهر هذا الأسلوب في لوحات كثيرة أنجزها، تصور الأطفال والنساء في الهواء الطلق وفي الفناءات الداخلية للمنازل، بحلول 1880 عندما أنهى ليزلي هذه اللوحة، نظر النقاد والجمهور إليه بوصفه رساماً تقدمياً كان يتطلع إلى تكييف القواعد الكلاسيكية للتكوين مع تمثيل المشاهد العادية أو المألوفة.
وقد يكون تأثير ألبرت مور واضحاً في رسومات ليزلي، فمور عالج لأول مرة الموضوعات ذات العناصر الزخرفية في أواخر ستينات القرن التاسع عشر، وهذا ما نكتشفه في أعمال ليزلي بمجملها.
عرضت اللوحة لأول مرة في الأكاديمية الملكية البريطانية في عام 1883. ووصفت في «مذكرات الأكاديمية» بأنها «بستان إنجليزي مشمس»؛ حيث الفساتين الخضراء والبنية والبيضاء، كما تمت الإشارة بشكل إيجابي إلى اللوحة من قبل «مجلة الفن» التي وصفتها بـ «فتاة جميلة تجمع التفاح، وأخرى تترك مئزرها مفتوحاً للإمساك بحبات التفاح أثناء سقوطها، والثالثة وهي الصغرى مشغولة بمضغ نصيبها من الثمار».
في عام 1925، اختار فرانك ديكسي نفس العنوان «بنات حواء» لإحدى رسوماته، فصور فتاتين تقطفان تفاحاً في بستان، وفي الصورتين، لجورج ليزلي وفرانك ديكسي تم تقديم صورة مألوفة وشاعرية، عنوانها يغري وموضوعها الحقيقي هو الاحتفال بجمال النماذج الأنثوية في اللوحات.

  • زهور الشمس والقمر

من اللوحات المفضلة لدى ليزلي واحدة أخرى بعنوان «زهور الشمس والقمر» رسمها في 1890؛ حيث كتب: «حرصت على رسم فتاتين قريباً من النافذة، إحداهما جالسة على كرسي على الأرض، والأخرى على كرسي النافذة الغائرة، الفتاتان تقومان بترتيب عباد الشمس في إناء، في الصورة، بعض أزهار عباد الشمس ذات اللون الأصفر الفاتح المعروف، والبعض الآخر الذي أسميه زهرة القمر الباهتة..».
*إلهام في 1950 اشترى المهندس المعماري كولين جونز لوحة «بنات حواء» وتبرع بها لمدرسة «لانتارنام» الشاملة في ويلز؛ حيث ظلت معلقة لمدة ثلاثة عقود في قاعة المدخل، وربما كانت مصدر إلهام لأجيال من الأطفال في سعيهم لتمثل وتقليد آداب السلوك عن أطفال العصر الفيكتوري.
في يونيو/ حزيران 2000، تم بيع اللوحة، التي تعد واحدة من أفضل لوحات ليزلي، والتي علقت دون أن يلاحظها أحد نحو 40 عاماً في مدرسة جنوب ويلز مقابل 170.000 جنيه إسترليني من قبل جامع تحف فنية، وقام المشتري باستثمار الأموال من أجل إتمام عمليات البناء الملحة للمدرسة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/afwny7v7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"