الهوية واللغة العربية

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

تعتبر اللغة المكون الأكبر للهوية الوطنية بجانب الدين والثقافة والتقاليد ومكان الولادة، إلا أننا نعتبر النظام التعليمي هو المؤثر الأوحد والأقوى في بناء الهوية الراسخة من منطلق مكونها الأكبر ألا وهو اللغة، متناسين أن هناك نظاماً آخر له التأثير نفسه والتكامل في الأدوار مع النظام التعليمي وهو النظام الاقتصادي، حيث إن كلا النظامين يركزان على المواطنة العالمية حيث تكون اللغة هي المحور المحرك والدافع لرصيدهم في الاستمرارية.
 فالمواطنة العالمية والتي تعتبر الفرد شخصاً ينتمي إلي العالم بدلاً من أن ينتمي إلى الوطن بصورة محددة، من هنا نستدرك أن اللغة شدت رحالها وفق التأثيرات الاقتصادية، مجارية الانفتاح على التجارة العالمية، فما كان من النظام التعليمي إلا الانسياق لخدمة النظام الاقتصادي، لذا رأينا هيمنة لغات أخرى على اللغة الأم ما دفع الشباب للانصهار في بوتقة العالمية من أجل الاستفادة من القطاع الخاص، ومن هنا نرى أن التحول نحو أن تكون الدول أكثر عالمية يؤدي إلي تراجع أعداد الشباب الذين يتحدثون اللغة الأم، وهذا بالطبع سيؤثر في الهوية الوطنية التي ستصبح مزيجاً من هوية المواطن العالمي وهوية الوطن التقليدية جامعة بين الجوانب التقليدية والعالمية.
ومن جانب آخر، فإن تزايد التكنولوجيا وانتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بهما أصبح الأفراد أكثر تواصلًا وترابطاً فيما بينهم، فأنظمة التواصل التي بدأت تظهر بقوة في جيل الألفية والجيل التقني أوجدت علاقة عكسية على اللغة الأم، وبالتالي على الهوية الوطنية، فمع الارتفاع المطرد لاستخدام الإنترنت سيتمكن الأفراد من زيادة الترابط ومشاركة الآراء والقيم عبر الحدود وبالذات من خلال محتوى الفيديو عبر الهاتف المحمول أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الترابط أثر بشكل هائل في اللغة، فأصبحت اللغة المستخدمة على شبكة الإنترنت ليست اللغة الأم، حيث هيمنت لغات أجنبية، وأصبح الكثير من الأفراد في تزايد مطرد لتعلم تلك اللغات، ما أدى إلى المزيد من الضغط على الهوية الوطنية من خلال ضعف اللغة الأم والتي بدورها أخذت في سياقها التأثير في الثقافة والتقاليد.
من هنا نلاحظ أن مجتمعاتنا ستتأثر في بناء هويتها الوطنية من حيث تناقص نسب استخدام اللغة الأصلية التي أصبحت تشد رحالها نحو النزول وذلك لشدة التأثيرات الاقتصادية التي ترنو إلى المواطنة العالمية ذات الانفتاح على التجارة العالمية وبناء أنظمة تعليم تخدم فقط هذا التوجه، ومن ذلك أصبحت اللغة العربية غريبة في بلدها نتيجة ظهور لغات مسيطرة، ما أدى إلى الضعف والضغط على الهوية الوطنية وهذه مستجدات مجتمعية غير مستحبة لما يصاحبها من ردات فعل مستقبلاً.
وأخلص من ذلك إلى أنه مع مرور الزمن من المتوقع أن تتأثر الهوية الوطنية من منطلق التأثير الذي سيطرأ على استخدام اللغة العربية وعدم إعطائها الأولوية في بناء الأنظمة التعليمية والمعاملات الاقتصادية، ومن أجل هوية وطنية راسخة علينا أن نركز على اللغة العربية سواء كانت في النظام التعليمي أو الاقتصادي أو التواصل الأسري، من منطلق أن اللغة روح وحياة الهوية الوطنية التي تحفظ للوطن وجوده، وللمواطن هويته وللمجتمع تماسكه.
فبناء واتخاذ أنظمة تعليمية متقدمة يجب أن تكون تحت رعاية الدولة وتعطى الأولوية القصوى للغة العربية بتشريعات ولوائح تركز على أهمية كفاءة الخريج المواطن من المدارس سواء كانت قطاع حكومي أو خاص في إتقان اللغة العربية، وليكن هناك امتحان نهائي لرصد مدى الكفاءة في إجادة اللغة العربية قراءة وكتابة وتحدث عند اجتياز الطالب للتعليم العام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/26ydtb4h

عن الكاتب

عضو المجلس الوطني الاتحادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"