عادي

خزان الهوية

23:06 مساء
قراءة 6 دقائق
لوحة للفنان عبد القادر الريس
1801

استطلاع: نجاة الفارس

إلى أي مدى استوعب السرد الإماراتي التراث الشعبي المحلي؟ يؤكد عدد من الكتاب والروائيين أن معظم السرد الإماراتي ارتكز على التراث والاستشهاد به، المادي وغير المادي، من أسماء سفن وأدوات وأهازيج وغناء وخراريف وعادات وتقاليد وحرف، وقد اتجه الكثير منذ البدايات إلى التركيز على البيئة البحرية، خاصة رحلات الغوص وحكايا النواخذة والغواصين وعائلاتهم، موضحين أن السارد الإماراتي في هذا الاستخدام وجد مرتعاً ابداعياً خصباً، فساهم، بطريقة أو أخرى، في الحفاظ على الموروث الشعبي المادي والمعنوي.

هناك حالة تكامل مميزة بين السرد والتراث، واستطاع القارئ المعاصر أن يكتشف حياة الأجداد والآباء والظروف المعيشية والمراحل الزمنية السابقة عبر إصدارات مهمة، وأمكنه التعرف إلى العادات والتقاليد الأصيلة لمجتمع الإمارات.

نقطة ارتكاز

تقول الروائية الإماراتية مريم الغفلي مديرة مؤسسة بحر الثقافة في أبوظبي: «استفاد الكاتب والشاعر والروائي في دولة الإمارات كثيراً من التراث الشعبي المحلي، ويعد التراث والبيئة ركيزة أساسية في معظم الأعمال السردية، منذ الرواية الأولى التي خطها الروائي راشد عبدالله النعيمي، حتى الروايات التي تظهر حالياً، فنجد الكاتب سلطان العميمي في روايتيه يستند إلى التراث الشعبي ويوظفه عن رحلة الغوص والسحر، وغيره، وكذلك فعل الكثير من الكتاب مثل علي أبو الريش الذي زخرت رواياته وأعماله بمفردات البيئة والمكان والزمان والحكايا المرتبطة بالإنسان الإماراتي في المنطقة الشمالية من الدولة، حيث ركز على البيئة الطبيعية، وذكر الكثير من الأمكنة والحكايا واستعرض رحلات الغوص والعادات والتقاليد، وكذلك فعلت الكاتبة صالحة غابش في روايتها «رائحة الزنجبيل»، وسارة الجروان ومريم الساعدي وغيرهم كثير، فمعظم السرد الإماراتي ارتكز على التراث والاستشهاد، به المادي وغير المادي، من مدن وسفن وأدوات وأهازيج وغناء وخراريف وعادات وتقاليد وحرف، وقد اتجه الكثير من الكتاب منذ البدايات إلى التركيز على البيئة البحرية، خاصة رحلات الغوص وحكايا النواخذة والغواصين وعائلاتهم وتلك الحكايا التي تتناسل عن العلاقات والاحتياجات وربطها بموسم الغوص، والعذابات التي يتعرض لها أبطال العمل أثناء رحلات الغوص والتجارة، كل هذا ليس بمعزل عن الحكايا الشعبية والأساطير، وغيرها، وكانت تجربة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مختلفة، حيث تداخلت أعماله الأدبية ما بين تاريخ وجغرافيا ومكان وشخصيات حقيقية تم توظيفها في العمل السردي، وهي تجربة ثرية وعميقة».

وتضيف، بالنسبة إلي أنا أعتبر الاتكاء على تاريخ وتراث المكان وبيئته مجال خصب لأي كاتب، فجاء تركيزي على البيئة البدوية والصحراء والواحة وسفينة الصحراء، بعيداً عن البحر والغوص، وهذا تخصص معرفي، حيث أكتب عما أعرف، وأوظف تجاربي ومعرفتي بتاريخ وثقافة المكان عند ساكن الصحراء والبدو كأساس أبني حوله العمل الروائي كي يعطي مصداقية، وكذلك للحفاظ على الهوية الوطنية، فنحن إن تميزنا وانتشرت أعمالنا نسوق لمكان وإنسان وتاريخ وثقافة ثرية خصبة بهذه الأرض، وهي أساس ومرجع لمن سيأتي لاحقاً ويكشف النقاب ويستفيد.

وتوضح الغفلي، أن الإنسان كما هو الكاتب، ابن بيئته ومكانه يأخذ منها ويعطي، وهذا أساس للتميز لكل كاتب، ألم يكتب نجيب محفوظ عن مكانه، وتميز بالكتابة عن الحارة المصرية ورسخها كتراث سيظل شاهداً على حقبة انتهت، ولكنها لن تنتهي من التاريخ، كذلك كتابات إبراهيم الكوني عن الصحراء، أثرت السرد العربي، وهنا في الإمارات ظهرت نماذج وأتمنى لها الاستمرار.

وتذكر، لقد نجح الجيل، الماضي والحاضر، من الكتّاب في الاعتماد والاتكاء على هذا المصدر للكتابة لأنهم عاشوه والبعض سمع من الآباء والأجداد، ولكن الملاحظ أن الكتّاب الجدد مصادرهم المعرفية مختلفة والحياة تغيرت، حيث بدأت الكتابة تتغير وظهرت ثقافة «الكوفي»، ووسائل التواصل والسفر والانفتاح، وحتى النظر والنظر للآخر والغريب باتت مختلفة في الأعمال الجديدة، لأن من كتبها جيل لم يعرف الماضي كما عرفناه، ولم يجالس الكبار ويستمع الحكايا عن الماضي الزاخر من شعر وحكمة وأخلاق وسنع، وغيره، فجاءت كتاباتهم عما يرون أمامهم وما يشعرون به تجاه بعض الظواهر الاجتماعية والصراعات بين الأجيال المختلفة.

مرتع إبداعي

أما الروائي الإماراتي سعيد البادي، فيقول: «إن التراث الشعبي الاماراتي يشكل حضوراً متميزاً في السرد المحلي، إذ أن السرد ينطلق في الأغلب من ثقافة السارد وتأثره بالثقافة المحلية التي يعيش فيها، أو الثقافات التي يتعرض لها فتترك أثراً فيه، وهنا في الإمارات نلاحظ استخداماً كبيراً في السرد المحلي للتراث والموروث الإماراتي، من خلال استحضار رموزه، المادية والمعنوية، في المعالجة السردية، سواء كان ذلك من أجل التعبير عن الذات، أو لمعالجة الهموم والقضايا المجتمعية».

ويلفت إلى أن السارد الإماراتي في هذا الاستخدام وجد مرتعاً ابداعياً خصباً، فساهم، بطريقة أو أخرى، في الحفاظ على الموروث الشعبي، المادي والمعنوي، وبالتالي الحفاظ على هوية المجتمع وخصوصيته، وفي الوقت ذاته يؤكد هويته وحرصه على الاستفادة من زخم المورث الشعبي في عالم متسارع التغير، بل إنه يساهم في تسجيل تاريخ المنطقة وحفظه من الاندثار، ولولا ذلك الاستخدام الواعي لربما فقدنا كثيراً من موروثنا الشعبي الزاخر بتلك الحكايات الشعبية والأساطير والأمثال والحكم، ونرى ذلك جلياً في المجموعات القصصية للكاتب الإماراتي عبد الحميد أحمد كمجموعة «الطائر الغمري» التي نجد فيها توظيفا ذكياً للكثير من الحكم والأمثال الشعبية، أو قصة «السمكة»، أو «البيدار».

كما نرى توظيفاً متجانسا في رواية الكاتب الإماراتي محمد البادي «فرسان وعشاق» التي تغنت بالشجاعة والبطولة والعشق، حيث وظف السارد هنا مجموعة من الحكايات الشعبية ضمن إطار سردي شكّل رواية، ورغم أن أحداث الرواية أو شخوصها لم تجتمع في الفترة الزمنية نفسها، لكنها حتماً كانت نتاج حصيلة من حكايات الموروث الشعبي فساهم المؤلف في حفظ تلك الحكايات وتقديمها بطريقة عصرية مشوقة، والأمر كذلك في «درب أم الدويس» للكاتبة الإماراتية سارة النواف المستوحاة من المعتقدات الخرافية أو الأسطورية الشعبية.

حالة تكامل

الشاعر والكاتب ناصر البكر الزعابي، يقول: «هناك ارتباط وثيق بين السرد الإماراتي والتراث المحلي طيلة نصف قرن من الزمن، حيث عكف الأدباء والكتّاب والباحثون على توثيق التراث الإماراتي، في الأعمال القصصية والروائية والتاريخية، حيث اهتم السرد بالهوية الوطنية وقيم المجتمع ووثّق مراحل تطور الدولة، من دون المساس بالتاريخ، بل إن هناك حالة تكامل مميزة بين السرد والتراث، واستطاع القارئ المعاصر أن يكتشف حياة الأجداد والآباء والظروف المعيشية والمراحل الزمنية السابقة عبر إصدارات مهمة، وأمكنه التعرف إلى العادات والتقاليد الأصيلة لمجتمع الإمارات، وانعكس ذلك لاحقاً على المناهج الدراسية في تواصل حي وفعّال بين الأجيال، حيث حافظ الخطاب السردي على الرصانة والدقّة، ولا يزال يوجد الكثير من الكنوز التراثية التي يبحث عنها الكتّاب بين حين وآخر في مراحل تطور السرد المعاصر، وهناك أعمال روائية تناولت جانباً مهماً في حقبة ماضية مثل رواية «تل الصنم» للأديب علي أبو الريش، ولا تخلو الكتابات المعاصرة من صور الماضي واستحضار لشخصيات أسطورية، وانتقل ذلك إلى بعض الأعمال الدرامية، لقد كرّست الإمارات مبدأ الحفاظ على التراث العريق، لذلك لعب السرد دوراً حيوياً في ذلك، وأعتقد أن هذه المسيرة ستستمر لأن التراث المحلي حافل بالعديد من المشاهد والمظاهر الراسخة في الوجدان والذاكرة، ومن يتأمل الأعمال السردية سيكتشف جوانب مضيئة وملهمة ستنهل منها الأجيال المقبلة من دون أدنى شك، لقد أدّى السرد الإماراتي دوره بإتقان وحنكة، ومن يشهد فعاليات أيام الشارقة التراثية سيتلمّس الكثير من الأشياء والمعلومات والفعاليات المهمة التي تحفظ هيبة التراث.

دور كبير

يقول الكاتب الإماراتي نبيل الحريبي الكثيري، لقد ساهم الكتاب الإماراتيون عبر إنتاجهم السردي القصصي والوثائقي خلال القرن الماضي، في التعريف بمختلف أوجه التراث الشعبي المحلي بشكل إيجابي وملحوظ، ما كان له دور كبير في توسيع دائرة الاهتمام به، وإنشاء العديد من المتاحف والقرى التراثية وقيام المهرجانات السنوية في مختلف مدن وإمارات الدولة والتي تضاعفت أعدادها خلال العقدين الأولين من القرن الحالي، التي تقوم بنشر التراث الإماراتي فعلياً، بحضور الآلاف من الزوار من جميع الجنسيات يومياً، ومن أهم الكتاب والروايات التي كان لها الأثر الأكبر في إبراز التراث المحلي رواية «شاهندة» لراشد عبدالله النعيمي، و«ساحل الأبطال» لعلي محمد راشد، و«أحدث مدينة على الشاطئ» لمحمد حسن الحربي، و«تل الصنم»، و«ثنائية مجبل بن شهوان»، و«سلايم» لعلي أبو الريش.

ينابيع

الكاتب الإماراتي محمد شعيب الحمادي، يقول: «لقد اتكأ السرد الإماراتي بكل أنواعه، سواء في الرواية أو القصة القصيرة أو في الأعمال المسرحية، على التراث الشعبي المحلي، لأنهم عاشوا مع جيل الأجداد والآباء، ومنهم من عاش الزمن الماضي بما فيه من عادات يومية أو تقاليد في المناسبات، أو الحرف التي كانوا يقتاتون عليها، وبرزت أسماء كثيرة من الكتّاب الذين تطرقوا لتراث الإمارات، من خلال حكايات الجدات والعادات والتقاليد ومهن الأجداد ووصف الحياة والبيئة التي عاشوا فيها سابقاً، ومنهم من يقتني الأدوات المستخدمة في السابق، كل ذلك كان بمثابة ينابيع عذبة نهل منها الكتّاب والأدباء الإماراتيون، كما وظّف بعض الكتاب المفردات الشعبية الأصيلة في أعمالهم، مثل الكاتب سعيد الحنكي، وغيره، واستطاعوا ببراعة تامة أن ينقلوا هذا التراث الزاخر للأجيال المعاصرة خاصة جيل الشباب الذين تعرفوا إلى العديد من ملامح ومظاهر تراثنا من خلال كتابات خطتها أقلام إماراتية لها ثقلها على الساحة الأدبية المحلية والعربية، مثل الروائي علي أبو الريش، والكاتب ناصر الظاهري، والكثير غيرهما، ونلاحظ جلياً تلك الثقافة في عناوين بعض المؤلفات والكتب التي تصدر بين الحين والآخر».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2n3ncm26

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"