جدلية السلطة في بريطانيا

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

إن التسارع المذهل للأحداث الأخيرة في بريطانيا ينسج بمكون الوعي السياسي، العلاقة بين تسلسل الانتظام الديمقراطي في زعامة السلطة، وبين النشاط الإلغائي للأشخاص، ويحقق الترابط بين الفكر السياسي والعمل الدبلوماسي، حتى لا يحصل فراغ في صيرورة الحزب، أو يفصله عن الواقع، ويجعل نشاطه نشاطاً غير متفاعل التفاعل الواعي والحقيقة الموضوعية؛ حيث يواكب أيديولوجية الدولة العليا التي ينطلق منها الحزب الحاكم في نشاطه السياسي الليبرالي القائم على التعددية الحزبية، وبخاصة في الميدان السياسي والعسكري.

إن ما يجري في بريطانيا من أحداث سياسية لا يهم بريطانيا وحدها كدولة، ولا يهم أوروبا وحدها كقارة حاضنة لهذه الدولة؛ بل هي أمور تهم العالم أجمع لما لهذه الدولة من تأثير عميق منذ عقود في السياسة الدولية، لأنها كانت في سابق عهدها إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وخصماً رئيسياً في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد ربحت كلتيهما. وشكلت العالم الحالي بالتوافق مع الولايات المتحدة، وهي ليست مجموعة من الجزر في أقصى بحر الشمال فقط؛ بل لديها أقاليم ضخمة فيما وراء البحار، أهمها أستراليا ونيوزيلاندا وكندا. وبالتالي فهي قوة رئيسية في عالم اليوم، وما يجري فيها يؤثر بشكل أو بآخر في مجريات الأحداث في العالم.

وقد مرت هذه الدولة منذ العام الماضي بفترة من الركود بسبب ارتباطها بالاقتصاد الأمريكي الذي بدأ مسار التراجع من ذلك العالم، ومن ثم اتخذت قرارها بالخروج من الاتحاد الأوروبي الذي وجدت فيه عبئاً على اقتصادها، بسبب انتقال مهاجرين كثيرين من دول أوروبا الشرقية إليها، وقد حدث الفراق بين الجانبين، وكان لذلك نتائج سيئة عليها، لأنها خسرت نطاقاً اقتصادياً واسعاً يشمل كل دول منطقة اليورو في قارة أوروبا، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الجمارك والشحن بين الجانبين. وجاءت جائحة كورونا لتزيد من حجم التراجع الاقتصادي بسبب استمرار الإغلاق لشهور طويلة، كما أن دخول بريطانيا في محور مواجهة روسيا بعد عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، قد أدى إلى زيادة التضخم في الاقتصاد البريطاني، وقد وجد رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون نفسه وسط أزمة اقتصادية كبيرة، في النهاية، إلى الاستقالة. وبعد مرحلة من المشاورات الحزبية قرر حزب المحافظين اختيار ليز تراس، رئيسةً له ورئيسة للحكومة البريطانية. وفي خطاب فوزها، تعهدت تروس «بتقديم خطة جريئة لخفض الضرائب وتنمية الاقتصاد».

وسوف ترث رئيسة الحكومة الجديدة، مجموعة واسعة من المشاكل الاقتصادية والسياسية؛ حيث يتوقع بنك إنجلترا أن تعاني بريطانيا حالة من الركود الممتد، بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وقد بلغ معدل التضخم بالفعل 10 في المئة. وأيضاً، فإن قضية إسكتلندا سوف تكون حاضرة أمامها، مع إصرار غالبية الإسكتلنديين على نيل الاستقلال، وكذلك فإن قضية الحدود بين أيرلندا الجنوبية والشمالية هي من القضايا الصعبة التي لن تجد لها حلاً يرضي بلادها، ولا يزال إلى الآن البروتوكول الأوروبي سارياً ولا تزال الحدود مفتوحة بين الجانبين، لكن الأوروبيين يضغطون من أجل صياغة بروتوكول جديد يعيد تنظيم دخول المواطنين والبضائع بين شطري أيرلندا.

وعلى الرغم من وجود حكومة ظل موازية تدقق في أعمال وزراء الحكومة، وتقترح السياسات، وتحاسب الحكومة على أفعالها، لكن تبقى الحكومة الرسمية هي المسؤولة عن تنفيذ سياسات الدولة. وتشكل الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية الداخلية إحدى أهم القضايا التي ستنخرط فيها رئيسة الوزراء الجديدة، لأن بريطانيا جزء أساسي من التحالف الغربي المعادي لروسيا، ويعد هذا الملف هو الأهم لأن نصر روسيا سيؤدي إلى مزيد من الانكفاء الغربي الاقتصادي والسياسي، وقد أكدت ليز تراس أنها مستعدة للضغط على الزر النووي إذا لزم الأمر، وهذا يعد إشارة منها إلى أنها ستمضي في دعم أوكرانيا إلى النهاية وحتى لو أدى ذلك إلى دخول بريطانيا في مواجهة مباشرة مع روسيا.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yvxwms65

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"