عادي

بعد قرن على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.. المصريون يريدون خروج إنجازاتهم للعلن

15:04 مساء
قراءة 6 دقائق

القاهرة - (أ ف ب)
فيما يحتفل العالم بمرور قرنين على اكتشاف حجر رشيد على يد الفرنسي جان فرانسوا شامبوليون ومئة عام على الكشف عن مقبرة الملك الطفل توت عنخ آمون، ترتفع أصوات للمطالبة بخروج مساهمات المصريين في هذه الإنجازات إلى العلن.
وتعكس المطالب رغبة المصريين في استعادة تراث بلدهم واسترجاع كنوز من آثارهم يعتبرون أن الغرب «سرقها».
ويؤكد رئيس بعثة التنقيب المصرية في القرنة (جنوب) عبد الحميد درملي، أن المصريين «تحمّلوا عبء الشغل كله، لم يكن هناك أجنبي يعمل بيده».
وتابع: «بدوننا (المصريين)، لما حصلت اكتشافات. العامل المصري الذي نقّب له اسم كان ينبغي كتابته، لكنه نسي على الفور».
في الاتجاه نفسه، تقول الباحثة المتخصصة في التراث المصري هبة عبد الجواد: «كأن أحداً لم يحاول فهم مصر القديمة» قبل شامبوليون في عام 1822.
مجهولون
وتوضح ريغز أن المصري الواقف في الظل إلى جوار كارتر في الصورة الشهيرة، قد يكون حسين أبو عوض أو حسين أحمد سعيد، وهما رجلان كانا لعقود من أعمدة فريق كارتر إلى جانب أحمد جريجر وجاد حسن.
لكنها تضيف أنه لا يمكن لأي خبير أن يتعرف اليوم إلى الأشخاص الموجودين في الصور.
وتقول أستاذة التاريخ: «قبع المصريون في الظل مجهولين وغير مرئيين في رواية تاريخهم». اسم واحد ظهر، هو اسم آل عبد الرسول.
في البداية، تم تداول اسم حسين عبد الرسول الذي يُعتقد بأنه اكتشف بالصدفة، بينما كان لا يزال طفلاً، مقبرة توت عنخ آمون على الضفة الغربية لنهر النيل في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1922 داخل جبانة أصبحت اليوم الأقصر، في منطقة القرنة.
وتتعدد الروايات حول هذا الاكتشاف: تعثّرت قدماه فوقها أو تعثّرت معزته عندها أو انقلبت منه قلة (إناء من الفخار كان يستخدم لتبريد المياه)، فكشفت الماء عن وجود حجر.
وبحسب الأسطورة المحلية، اكتشف اثنين من أجداده أحمد ومحمد في عام 1871، الموميات الخمسين التي عثر عليها في الدير البحري ومن بينها مومياء رمسيس الثاني.
والتقت وكالة «فرانس برس»، حفيد أحد أقرباء حسين عبد الرسول ويدعي سيد، وقد انفجر ضاحكاً عندما سمع هذه الروايات. وقال مازحاً: «أقوى اثنتين عندنا ينبغي تسليط الضوء عليهما هما المعزة والقلة»، ثم تساءل: «هل هذا منطقي؟».
واعتبر أن المشكلة تكمن في أن «أناساً آخرين كتبوا (التاريخ)، ونحن لم نكتب».
وتشير كريستينا ريغز إلى أنه في كل مرة نُسب فيها اكتشاف إلى المصريين، كان الفضل يعود إما إلى «أطفال أو لصوص مقابر»، إن لم تكن «حيواناتهم».
أما هبة عبد الجواد فتشير إلى أن «علم الحفائر وعلم الآثار في الأساس يقومان على علم الجغرافيا، وخصوصاً معرفة بطبقات الأرض المختلفة التي يمكن من خلالها تحليل ما إذا كان هناك شيء أم لا، وهذا ما يعرفه الفلاح المصري كونه يحتك بشكل يومي مع التربة والأرض في الزراعة».
لهذا انتقلت عمليات التنقيب من جيل إلى جيل في القرنة؛ حيث يعيش آل عبد الرسول، وإلى قفط في شمال الأقصر التي تم تدريب سكانها على البحث عن الآثار في عام 1880 على يد البريطاني وليام فلندرز بيتري.
وكان الجد الأكبر لمصطفى عبده صادق من بين هؤلاء.
في مطلع القرن العشرين، استقر الرجل على بعد 600 كيلومتر شمال قفط للتنقيب في جبانة سقارة بالقرب من أهرامات الجيزة.
وساعد مع أولاده وأحفاده على مدى قرن من الزمن في الكشف عن عشرات المقابر، بحسب ما روى ل«فرانس برس» الحفيد وهو نفسه عالم آثار معروف.
وقال إن أسرته لم تأخذ حقها، رافعاً صور أجداده الذين لا يظهر اسم أي منهم في كتب التاريخ اليوم.
أبناء توت عنخ آمون
وترى عميدة كلية الآثار في أسوان مونيكا حنا أنه «تم تجاهل المصريين في كتابة تاريخهم بسبب الاستعمار الثقافي لمصر منذ 200 سنة».
وتقول المحاضرة في معهد الآثار الشرقية في القاهرة فاطمة كشك إنه ينبغي أن نأخذ في الاعتبار «السياق التاريخي لمصر خلال الاستعمار» البريطاني.
في مطلع القرن العشرين، وعلى خلفية الروح الوطنية المتصاعدة، أصبح التراث الفرعوني أداة لتقوية الحس الوطني. وتحولت الحرب الثقافية إلى معركة سياسية.
في عام 1922 الذي شهد اكتشاف مقبرة الملك الطفل في وادي الملوك، غنّت المطربة الأشهر آنذاك منيرة المهدية «إحنا ولاد توت عنخ آمون».
في العام نفسه، وبعد حملات متكررة نددت بهيمنة الأجانب على التراث الوطني، تمكنت القاهرة من وضع حد لنظام التقسيم الذي كان سارياً خلال الحقبة الاستعمارية ويقضي بأن يحصل الغربيون على نصف ما يتم اكتشافه من آثار مقابل تمويلهم عمليات التنقيب.
غير أن مصر القديمة فُصِلت نتيجة ذلك عن مصر الحديثة، وبات يُنظر إلى «الحضارة المصرية القديمة على أنها حضارة ملك العالم بأسره، لكن هذا العالم كان متمركزاً في الغرب»، بحسب ما تقول هبة عبد الجواد.
وبقى توت عنخ آمون في مصر، لكن «أرشيف عملية التنقيب» الضروري لأي نشر أكاديمي وعلمي ذهب إلى كارتر واعتبر من مقتنياته الخاصة، وفق حنا.
وأضافت: «كنا لا نزال مستعمَرين، ولذلك تركوا لنا القطع،لكن أخذوا منا القدرة على إنتاج المعرفة عن مقبرة توت عنخ آمون».
وعندما قررت ابنة شقيق هوارد كارتر، أن تتبرّع بهذا الأرشيف بعد وفاته في عام 1939، اختارت أن تهبه لجامعة أكسفورد وليس إلى مصر.
وتنظم جامعة أكسفورد في الوقت راهن معرضاً باسم «توت عنخ آمون: تنقيب في الأرشيف» لكي تلقي الضوء على «المصريين المنسيين غالباً من الفرق الأثرية».
مومياء في البيت
في القرنة، يتذكر أحمد عبد الراضي (73 عاماً)، أنه عثر عندما كان طفلاً على رأس مومياء قرب أساسات المنزل الذي كبر فيه والذي شُيّد فوق واحدة من مقابر جبانة طيبة؛ حيث كبر.
ويقول إن أمه انفجرت باكية وهي تتوسل إليه أن يعامل «هذه الملكة» باحترام. ولكنها كانت في الوقت ذاته، بحسب عبد الراضي، تخزّن البصل والثوم في تابوت من الغرانيت.
اليوم، لا توجد في قرية القرنة إلا الأنقاض التي تنتصب بينها، بين المقابر والمعابد، أعمدة ممنون التي بنيت قبل 3400 عام وكأنها تسهر على رعاية الأحياء والموتى.
في عام 1998، بدأت جرافات تابعة للحكومة بتدمير المنازل الصغيرة المشيدة بالطين والحجر والتي تأوي 10 آلاف من سكان القرنة وتوجد أسفلها مقابر يعود معظمها إلى الحقبة ما بين عامي 1200 و1500 قبل الميلاد.
وفي اشتباكات مع الشرطة، قتل أربعة من السكان الذين رفضوا إخلاء منازلهم.
ويقول عبد الحميد درملي إن سكان القرنة احتجوا على إزالة بيوتهم بسبب ارتباطهم الكبير بالتراث الفرعوني.
تمّت المعركة من أجل كشف التاريخ القديم على حساب المصريين، ما أثار انتقادات من اليونسكو.
ودافع وزير الآثار آنذاك زاهي حواس عن قرار إزالة المنازل قائلاً: «كان ينبغي القيام بذلك للحفاظ على التراث».
وبحلول عام 2008، كانت معظم المنازل أزيلت ونُقل السكان بعيداً عن مصادر رزقهم حول الآثار الفرعونية والأراضي التي يرعون فيها ماشيتهم.
ووفق مونيكا حنا، أرادت السلطات إجلاء «الناس لتجعل من الأقصر متحفاً مفتوحاً، فيأتي السائح ويرى الآثار كما كانت منذ مئات السنين».
غنيمة حرب
على مدى قرون، خرجت أعداد لا تحصى من الآثار من مصر. بعضها، مثل مسلة الأقصر في بارس أو معبد ديبود في مدريد، منحتها الحكومة المصرية هدايا لدول صديقة، لكن قطعاً أخرى أرسلت إلى المتاحف الأوروبية في إطار نظام التقاسم الاستعماري.
وذهبت مئات الآلاف من القطع إلى «مقتنيات خاصة في جميع أنحاء العالم»، وفق هبة عبد الجواد.
ويريد زاهي حواس أن يطلق حملة في أكتوبر/تشرين الأول من أجل استعادة حجر رشيد وتمثال نفرتيتي وزودياك دندرة، وهي ثلاث قطع تثير جدلاً منذ سنوات.
ويعرض حجر رشيد الذي حفرت عليه في عام 196 قبل ميلاد المسيح كلمات باللغات اليونانية القديمة والمصرية القديمة والهيروغليقية، في المتحف البريطاني في لندن ومكتوب إلى جواره «أخذه الجيش البريطاني من مصر في عام 1801».
وقال متحدث باسم الجيش البريطاني لـ«فرانس برس» إن الحجر «هدية دبلوماسية»، لكن هبة عبد الجواد تقول إنه «غنيمة حرب».
أما تمثال نفرتيتي فحط في متحف في برلين (Neues Museum ) في برلين بموجب نظام التقاسم الاستعماري، وفق السلطات الألمانية.
ويؤكد حواس أن رأس نفرتيتي التي رسمت في عام 1340 قبل الميلاد وجلبها علماء آثار ألمان في عام 1912 «خرجت من مصر بشكل غير مشروع».
أما زودياك دندرة فوصل إلى باريس عام 1820 عندما أرسل عمدة المدينة سيباستيان لوي سولنييه فريقاً لنزعه بالمتفجرات من أحد المعابد في جنوبي مصر.
الزودياك البالغ طوله 2،5 متر وكذلك عرضه، معلّق في أحد أسقف متحف اللوفر منذ عام 1922 في حين توجد منه نسخة من الجص في دندرة.
وتعتبر مونيكا حنا أن نقل الزودياك إلى اللوفر «جريمة».
وتضيف: «ما كان مقبولا آنذاك» لم يعد كذلك «بالموازين الأخلاقية للقرن الحادي والعشرين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ejffak3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"