عادي

راشد بن سعيد.. قائد مسيرة البناء في دبي

01:47 صباحا
قراءة 5 دقائق

دبي: يمامة بدوان

يصادف اليوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، الذكرى السنوية ال32 لرحيل المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه؛ حيث تشكل المسيرة العامرة للراحل، محطات مهمة في تاريخ بناء الدولة، أفرزت مسارات نوعية للتطوير والتشييد، ما يقودنا إلى أهمية الدور الذي قامت به قيادات الرعيل الأول في دولة الإمارات، الذين كانوا يصِلون الليل بالنهار لرفعة الوطن والمواطن على السواء.

قاد المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد، مسيرة التخطيط والبناء في دبي في وقت مبكر، بنظرة ثاقبة تستشرف المستقبل، فكان قائداً استثنائياً، اهتم بإنشاء البنى التحتية التي تمثل أهم عامل نجاح لجميع القطاعات مثل التجارة والصناعة والسياحة والاستثمار، سواء كانت الطرق، أو الجسور، أو المطارات، أو الموانئ، التي أصبحت بوابات واسعة لتدفق المستثمرين والسياح والباحثين عن العمل والإقامة، فكان يفكر في حاضره في ذاك الوقت، وعينه على مستقبلنا اليوم وغداً، حتى غدت رؤيته في العمل والتخطيط مدرسة، ومنارة تستلهم الأجيال منها مبادئ التميز والتغيير والتطوير كما بقيت نبراساً تقتدي بها الأجيال حتى يومنا هذا.

النشأة والتعليم

ولد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، في إمارة دبي، عام 1912، ونشأ في بيت والده، الذي اشتُهر بالورع والزهد والتقوى، والحرص على مصلحة الوطن والمواطنين، وسعة الصدر والحلم، والخلق النبيل، كما نشأ، رحمه الله، في كنف والدته الشيخة حصة بنت المر، التي كانت لها مكانة خاصة في قلوب الناس، لما عُرف عنها من تسامح وطيبة قلب، وقد لُقبت ب«أم دبي»، فتشرّب، طيب الله ثراه، منذ نعومة أظفاره كل هذه الخصال الحميدة، المستقاة من أصيل الثقافة العربية الإسلامية.

شبّ الشيخ راشد، على حب المعرفة والشغف بالعلم، فقد تلقى تعليمه خلال المراحل الدراسية الأولى في علوم الفقه واللغة العربية، التي كانت توفرها الكتاتيب في ذلك الحين. ثم التحق بعد ذلك بالتعليم النظامي في مدرسة الأحمدية في منطقة ديرة، فتفقه في العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية والتاريخ والحساب والجغرافيا، وكان أصغر تلاميذ هذه المدرسة التي كانت المدرسة الوحيدة في دبي.

وتميز، منذ صغره بتواضعه ونباهته ولين معشره ودماثة خلقه، فأحبه الجميع؛ إذ عُرف عنه كذلك أنه كان شاباً مثابراً فضولياً في البحث والمعرفة والاطلاع، وكان مسكوناً بحب رياضة الصيد بالصقور، وركوب الهجن والخيل، والرماية.

الحلم الأكبر

وعُرف عنه، رحمه الله، جدّه واجتهاده، وبعده عن اللهو وحبه للعلم والمعرفة، كما اشتهر منذ صغره بسموّ الأخلاق وطيب النفس ولين المعشر، وقد رأى مدرسوه وصحبه في عينيه دوماً لهيباً من الحماسة يكتنف مقلتيه، ويقوده نحو الأمام لتحقيق أحلامه، وقد كان حلمه الأكبر رسم اللون الأخضر على صفحات هذه الصحراء المترامية الأطراف، القاسية، وجلب الحياة السهلة الكريمة لأبنائه وإخوانه المواطنين.

ولما بلغ الشيخ راشد، ال18، دأب على حضور اجتماعات والده ومجالسه، وأخذ ينهل من خبرته الطويلة، ويتزود من سيرته العطرة بين حكام الساحل الخليجي، فقد اشتهر والده بعروبته الأصيلة، وحرصه على القضايا العربية العالقة، وكرهه للاستعمار، وحلمه بالوحدة والأمن والاستقرار وخير المنطقة، فأحبه الجميع واحترموه.

وكان يرافق والده في رحلات الصيد بالصقور، ما وطد العلاقة بينهما وأغنى حواراتهما، وهذا أدى بدوره إلى تعزيز الأثر الكبير الذي تركه الشيخ سعيد في نفس ابنه الشاب، وقد أفادت هذه الرياضة الحاكم القادم، وشدت من عزمه، فتعلم الاستيقاظ باكراً، وركوب المخاطر، والصبر والتحمل، والإحساس بقسوة العيش وحر الصحراء القاحلة.

الحكم الرشيد

تسلم الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، مقاليد الحكم في إمارة دبي في عام 1958 عقب وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم، وشارك والده في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939، وكان يراقب من كثب كيفية حكم والده للناس، فتعلم أصول الحكم الرشيد الذي يستمع فيه الحاكم إلى جميع المحكومين، ويعطي الحرية لكل المواطنين.

طفرة تنموية

شهدت دبي، في مرحلة حكمه، نمواً وازدهاراً وطفرة تنموية، شملت جميع القطاعات، وكل ذلك ببصيرة نافذة متمكنة من قراءة مستقبل الإمارات عموماً ودبي خصوصاً، وثقة كبيرة بقدرته على تحويل طموحات وأحلام مواطني الإمارة إلى واقع ملموس، لا يختلف اثنان اليوم على قوة هذا النموذج، وقدرته على الإبهار والتأثير والتغيير على الرغم من بساطة الإمكانات في ذلك الزمن قياساً بالتطور الذي يشهده العالم عموماً والإمارات خصوصاً على أكثر من صعيد، والحديث هنا عن التطور التكنولوجي والثورة الرقمية التي انعكس مفعولها على قطاع الخدمات والتجارة والصناعة والإنشاء وغيرها من القطاعات المهمة واللازمة لتقدم أي دولة.

ومما لا شك فيه، أن رؤية المغفور له، الشيخ راشد، عبّدت الطريق لدفع عجلة التنمية في دبي والتي وضعتها في خريطة العالم التنافسية في المجالات التنموية كافة، فكان رجل دولة وسياسة بامتياز، وأحد رموزها ورواد وحدتها وقوتها، امتازت شخصيته بالعفوية والبساطة والتواضع، وأجمع أبناء الوطن على محبته والالتفاف حوله قيادته بعد أن أزال، طيب الله ثراه، جميع الحواجز بينه وبينهم، وكان يعد نفسه أباً ومعيناً لهم، ومسؤولاً عن توفير الحياة الكريمة والعزيزة لهم.

وثيقة الوحدة

عمل الشيخ راشد بن سعيد، مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراهما، على إصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبوظبي في فبراير/شباط عام 1968، وفي العاشر من يوليو/تموز 1971 وجّه المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد، دعوة من أجل المضي قدماً على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد حتى أعلن عنه رسمياً في 2 ديسمبر/كانون الأول 1971؛ حيث تولى منصب نائب رئيس الدولة، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء؛ فعمل بكل جد على مراقبة الوزارات، لتكون في خدمة الشعب، ولما بدأت التحركات للمّ شمل الإخوة تحت مظلة واحدة، كان الشيخ راشد، من أوائل الذين وضعوا أيديهم بيد الشيخ زايد، بكل عزيمة وجهد، لاستكمال الحلم، وكان يشجع على سياسة التمهل وعدم التسرع والانسياق وراء الأحلام من دون وضع الأساسات الصحيحة التي تمكنها من الاستمرار.

كلمات خالدة

وفي عزاء الراحل، قال المغفور له الشيخ زايد: «راشد كان رجلاً باراً من رجالات هذا الوطن، وفارساً مغواراً من فرسانه، ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وإذا كان قد انتقل إلى مثواه الأخير فإن ذلك لا يعني أن يغادر ذاكرتنا أو حياتنا؛ بل سيبقى - رحمه الله - خالداً في القلوب وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال، بالأمس كان المغفور له أباً للشيخ مكتوم وإخوانه، واليوم أنا أبوهم وعوضهم فيه وهم عوضي أنا في أبيهم، كما أنهم عوض شعب دولة الإمارات العربية المتحدة بما عرفته وعرفه هذا الشعب منهم من حب وحرص وتفانٍ في خدمة هذا الوطن».

تواضع ونباهة

تميز الشيخ راشد، منذ صغره بتواضعه ونباهته ولين معشره ودماثة خلقه، فأحبه الجميع؛ إذ عُرف عنه كذلك أنه كان شاباً مثابراً في البحث والمعرفة والاطلاع، وكان مسكوناً بحب رياضة الصيد بالصقور، وركوب الهجن والخيل، والرماية. أما حكمه لدبي، فقد حكم، هذه الإمارة خلفاً لوالده، منذ عام 1958 إلى 1990.

يعد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، من الشخصيات المؤثرة في دولة الإمارات؛ إذ توافقت رؤيته مع رؤية إخوانه حكام الإمارات، في ضرورة قيام اتحاد بين الإمارات، التي تجمعها سمات مشتركة، تمثلت بوحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد والملامح السياسية، وعمل مع رفيق دربه، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، وإخوانهما حكام الإمارات، على تأسيس الدولة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhf383k

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"