ذاكرة جمالية

22:29 مساء
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود

الخط هو الفن العربي الأصيل والذي يشير إلى عمق وأصالة الفنون والجمال والإبداع في الثقافة والتراث العربي القديم؛ وذلك أيضاً له دلالة واضحة وهي أن الحضارة العربية تقف ضمن الحضارات العظيمة والراسخة والتي وصلت إلى مكانتها العالمية بروافع عدة منها الفنون والممارسات الجمالية وعلى رأسها الخط الذي يحتل مكانة بارزة وسامية بين كل أشكال وأنواع الإبداع العربي عبر السنين، وقد مر هذا الضرب الجمالي والفني بمراحل عدة من التطور حتى صار الآن ضمن الفنون العالمية التي لا يمارسها الفنانون العرب والمسلمون فقط؛ بل حتى بلدان الغرب والكثير من شعوب الدول الأخرى صارت تتقن فن الحروفية.

للخط خصوصيته الإبداعية والجمالية عند العرب والمسلمين، فهو بمنزلة العمود الفقري للفن الإسلامي؛ إذ حافظ على أصالته عبر قرون مرت جنباً إلى جنب مع لغة القرآن الكريم، فكان أن تفرد كبار الخطاطين وبرعوا في كتابة نُسخ من المصحف الشريف بخطهم، ليمثل ذلك الجانب نشاطاً إبداعياً وجد القبول والمتابعة والاهتمام في جميع الدول العربية والإسلامية، كما تفرع عن هذا الفن ما يعرف بفن الحروفية، فتشكلت لوحة التشكيل الحروفي، وأخذت بعداً جمالياً مبهجاً ومبهراً على يد كبار الخطاطين، والتشكيليين أيضاً، كما تفرعت الزخرفة كذلك على هامش فن الخط لتدخل مجال الفن التطبيقي التشكيلي.

ولئن كانت مهمة هذا الإبداع العريق في الماضي منصبة في مهام معينة مثل استخدامه من أجل تزيين المساجد والقصور والأماكن التاريخية وتصميم الكتب، فإن الخط قد تجاوز تلك المهام ليصبح فناً عالمياً يوظف في رؤى وجودية وحياتية وتصورات بصرية ومواضيع جمالية عدة؛ بل إن اللوحة الحروفية أخذت شكلاً من التطور عانقت معه الحداثة والمعاصرة فصارت بعض أعمال الفنانين العرب وغيرهم تحتشد بالرموز والرؤى والمعاني التي تختبئ داخل نص العمل، حتى صار هنالك ما يعرف بقراءة ما وراء اللوحة الخطية، وفي ذلك الاتجاه برزت مدارس واتجاهات عدة تعتمد في تصوراتها ومضامينها الجمالية على الخط؛ حيث بات يوظف في الأداء الفني للعناصر التي تقوم عليها الفنون التشكيلية.

ويأتي الاحتفاء بالخط العربي من قبل الدول العربية والإسلامية من خلال المهرجانات والمتلقيات، وعلى رأسها ملتقى الشارقة للخط، لكون هذا الفن هو إبداع عربي أصيل نابع من التراث، ويحفظ الهوية وذاكرة الأمة الجمالية، وبفعل مثل هذا الاهتمام فقد استطاع الخط أن يحافظ، على استمراريته؛ بل وأن يتطور ويزدهر ويصبح أحد أهم فنون العالم أجمع مع المحافظة على أصوله القديمة؛ وهذا الأمر نلاحظه في أنشطة وفعاليات ملتقى الشارقة للخط منذ انطلاقه ليصبح إحدى المنصات العالمية المعنية بهذا الفن البصري العظيم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/59zztm8a

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"