الثقافة والمسؤوليّة الوجوديّة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف سيرى المثقفون هذا الطرح؟ المسألة لا تدع مجالاً لانزلاقات الفهم: طوال القرن العشرين وحتى يومنا، لم نر جدول أعمال تنفيذيّاً لأولويات الثقافة العربية. لا شك في أن الإنتاج الفكري يشكل مكتبة كبيرة، مشاربها ذات شجون. لا ندري حتى من أين نبدأ. من صحوة رفاعة الطهطاوي؟ من تنوير طه حسين وزكي نجيب محمود؟ أم من محرّكات الفكر النقدي التاريخي لدى محمد أركون، محمد عابد الجابري، هشام جعيط، محمد جابر الأنصاري، على الوردي؟ القائمة موسوعة. ههنا المأزق العجيب. مئات من العقول النهضوية الفذّة، قرعت قارعة أجراس على مدى مئة وعشرين عاماً، ولكن آذان الأدمغة في شغل؟ قل ما قال شوقي: «ورُبّ مُنتصتٍ والقلب في صممِ».
لقد كان المفكرون العرب النهضويون، باختلاف أطيافهم، مثل لوحة ألوان الرسام، قوميين، إسلاميين، وحتى دعاة قطيعة مع الماضي العربي الإسلامي، كل ما يخطر ببالك من التوافقات والنقائض. الأضداد متضادة أحياناً إلى حدّ إمكان اندلاع حرب أهلية بينها. إلى جانب تيارات حزبية تنظيراتها أحلام، بمجرد وصولها إلى سدّة الحكم، تشغلها السلطة عن التنمية. 
وهل ننسى الموجات الثقافية، وخصوصاً شطحات الحداثة وما بعد الحداثة؟ الحداثة هي مثل مشاهد التنمية في العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية، وما بعد الحداثة مثل حال العراق وسوريا وليبيا في السنوات الأخيرة. هل رأى أحد في يوم من الأيام المفكرين العرب وهم يفحصون الموسيقى العربية، يضعون على المحك الحركة الشعرية، يدعمون الإعلام العربي ويستفيدون من منابره، يبنون جسوراً بين مكوّنات الثقافة، ويقيمون أواصر بينها وبين أنظمة التعليم؟ بالمناسبة: المجامع اللغوية أيضاً ظلت على مرّ العقود عاكفة على اللغة كميدان وظيفي، تكاد لا يكون لها دور محوري في التعليم والإعلام والحياة العامة، بينما اللغة حياة حساسة وقضايا حيوية.
هل في المثقفين العرب، المفكرين بخاصة، من يرى أن المشهد الثقافي العربي في خط بياني صاعد، بخير وعافية، متوازن متماسك، حاضر ناظر، محيّاه ناضر، يصدح في المشرق فيردد من في المغرب؟ في الواقع، كل الإنتاج الفكريّ والأدبيّ منذ القرن العشرين، تحوّل إلى أرشيف. من العجب تصوّر غير هذا. الخط البياني في انحدار، بما في ذلك مستوى امتلاك اللغة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التلخيصيّة: لكي تصبح الثقافة فاعلة، يجب أن تتجاوب مكوّناتها، وتلعب مجامع اللغة العربية والمفكرون أدوار المسؤولية الوجودية حضاريّاً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2t6msxd3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"