د. منى تهلك
في عام 1882 أعلن الدكتور روبرت كوخ عن اكتشافه للبكتيريا التي تسبّب السل؛ أي قبل نحو 140 عاماً من الآن، إلا أنه وحسب منظمة الصحة العالمية «يموت كل يوم أكثر من 4100 شخص بسبب السل، ويصاب نحو 30000 شخص بهذا المرض الذي يمكن الوقاية منه وعلاجه. والسل هو السبب الرئيسي لوفاة المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، وهو مسهم رئيسي في مقاومة مضادات الميكروبات».
والغريب فعلاً أنه يمكن الوقاية من المرض وعلاجه، فحسب المنظمة العالمية نفسها «ظهر لقاح السل BCG منذ أكثر من 80 عاماً مضت، ويستخدم حالياً في جميع الدول تقريباً، وهذا اللقاح مأخوذ من نوع من المتفطرات البقرية Mycobacterium bovis، ويعطى بالحقن داخل الأدمة. ويتفق الأطباء بشكل عام على فاعلية هذا اللقاح لدى الأطفال، كما يوصى بشكل كبير، أن يعطى اللقاح في وقت مبكر من الحياة بقدر الإمكان. وعادة ما يقي التطعيم بهذا اللقاح من الإصابة بأكثر أشكال السل الوخيمة، مثل التهاب السحايا والسل الدهني. ويعتبر هذا اللقاح واحداً من أسلم اللقاحات المستخدمة حالياً».
ومن البديهي التساؤل: لماذا إذن يموت 4100 إنسان يومياً بسبب السل؟ ولماذا يصاب نحو ثلاثين ألف إنسان، مع أن الوقاية المعرفية متوفرة، والأمصال موجودة منذ سنوات؟ والإجابة تكمن في عدة جوانب، منها الوعي بأهمية الأمصال والمضادات، وببرامج الوقاية والعلاج والكشف المبكر عن أي أعراض، وهنا يظهر جانبان اثنان: الأول رفض البعض لفكرة الأمصال والوقاية، معتقدين أنهم بمعزل عن المرض، والمشكلة أنهم يحرمون أطفالهم من الأمصال، متأثرين بحجج لا قيمة علمية لها. أما الثاني فهو التدهور الاقتصادي، وتعثر التنمية، وضعف الرعاية الصحية، وهذه منتشرة في كثير من المجتمعات في مختلف أرجاء العالم.
وتبقى مشكلة الوعي بأهمية الأمصال والتطعيمات والجرعات الوقائية على درجة عالية من الأهمية، أمام انتشار المعلومات الكاذبة والمضللة، والتي تتنافى مع الحقيقة العلمية، ولكم أن تعرفوا أن أمراضاً تم عزلها والقضاء عليها، مثل الجدري، بدأت في الظهور في مجتمعات متقدّمة طبياً، بين فئات رفضت أخذ اللقاحات لتعود الإصابة بمثل هذه الأمراض في الظهور.
والذي أريد تأكيده هو أن تزايد أعداد الإصابات بتلك الأمراض، دلالة على أن هناك خللاً من أسبابه عدم أخذ تلك اللقاحات التي تساعد أجسادنا وتقوّي المناعة.
الأمراض لا تموت والأوبئة لا تنتهي، مهمتك الوعي وحماية نفسك وأحبّتك باتباع الإرشادات الطبية والعلاجية والوقائية.
استشاري أمراض نساء وولادة
مدير تنفيذي مستشفى لطيفة
