ضريبة الأثرياء

22:01 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

هناك ضريبة تفرض على الشركات والمؤسسات التي تحقق أرباحاً غير اعتيادية، تسمى «ضريبة الأرباح غير المتوقعة» أو ضريبة الأرباح المفرطة «Windfall tax». وهي ضريبة تفرض على الأرباح التي تنجم عن مكاسب مفاجئة لشركة أو صناعة معينة، فتحقق أرباحاً أعلى من المتوسط المعتاد.

وغالباً ما تنتمي هذه الشركات إلى قطاعات الأعمال المنتِجة للسلع الأساسية

«Commodity-based businesses». في بريطانيا، فُرضت هذه الضريبة على شركات المرافق التي تمّت خصخصتها. وفي نفس الفترة تقريباً (في عام 1980)، سنت الولايات المتحدة قانون ضريبة أرباح النفط الخام المفرطة (Crude Oil Windfall Profit Tax Act)، لتحصيل ضريبة إضافية من الأرباح التي جنتها شركات النفط الأمريكية من ارتفاع أسعار النفط في أعقاب تداعيات الحظر النفطي لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول «أوبك» في 1973. في السويد، تخضع محطات توليد الطاقة الكهرومائية لضريبة الملكية (Property tax)، فيما تخضع محطات الطاقة النووية لضريبة تُحتسَب على أساس القدرة الإنتاجية. وقد تم رفع كلتا الضريبتين مطلع عام 2008 بسبب ارتفاع الأرباح المفاجئة. النرويج أيضاً فرضت، اعتباراً من عام 2009، ضريبة إيجار الأرض «Ground rent tax» على محطات الطاقة الكهرومائية، كما قررت فنلندا في عام 2009 تحصيل ضريبة على الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية اعتباراً من عام 2011.

وقد وُجهت انتقادات من جانب أقطاب قطاعات الأعمال إلى هذه الضريبة، الذين يرون أن ضرائب الدخل العادية تأخذ بالفعل في الاعتبار الأرباح المرتفعة، فلا حاجة لفرض ضريبة إضافية، سواء تعلق الأمر بشركات النفط أو غيرها. ويجادلون بأن الشركات هي الجهة المعنية بإعادة استثمار الأرباح لتشجيع الابتكار الذي من شأنه أن يعود بالفائدة على المجتمع ككل. فضلاً عما ينجم عن فرض هذه الضريبة الإضافية من تأثير سلبي متمثل في تقليل الاستثمار، على أساس أن الربح بعد الضريبة قد لا يستحق الجهد المبذول لتحقيقه.

وترد الإدارات الحكومية المؤسسية على هذه الانتقادات، فتقول بأن الغرض من فرض هذه الضريبة هو إعادة توزيع الأرباح الزائدة لدى عدد محدود من شرائح المجتمع على شرائح أكبر من القاعدة الاجتماعية، عبر إعادة تمويل الإنفاقين الجاري والاستثماري، وتعزيز تمويل البرامج الاجتماعية، وتشجيع الكيانات الخاضعة للضريبة على خفض أسعارها لصالح المستهلكين، وبالتالي الحد من اتساع فجوة اللامساواة المجتمعية. وتندرج ضمن فئة هذه الضريبة أيضاً، ضريبة الميراث، وضريبة اليانصيب، باعتبارها مكاسب غير متوقعة.

الآن، وبحسب أرقام «فوربس» التي استشهدت بها مؤسسة «أوكسفام»، فإن ثروات أغنى 10 رجال في العالم: إيلون ماسك، وجيف بيزوس، وبرنارد أرنولت وأولاده، وبيل جيتس، ولاري إليسون، ولاري بيج، وسيرجي برين، ومارك زوكربيرج، وستيف بالمر، ووارن بافيت - ارتفعت على الصعيد الجمعي من 700 مليار دولار إلى 1.5 تريليون دولار بين مارس/آذار 2020 ونوفمبر/تشرين الثاني 2021. أما على الصعيد الفردي فقد نمت ثروة ماسك بأكثر من 1000%، بينما ارتفعت ثروة جيتس بنسبة 30%. أما شركة أمازون التي يملكها ويديرها جيف بيزوس، فقد ضاعفت صافي أرباحها على أساس سنوي، من 2.6 مليار دولار في سنة 2019 إلى 5.2 مليار دولار في 2020، على الرغم من الوباء. كذلك الحال بالنسبة لشركة «Alphabet»، الشركة الأم لجوجل، وبقية الشركات الكبرى، ليس في الولايات المتحدة فقط، وإنما في كافة بلدان العالم.

لهذا، نعتقد بأن الظروف الحالية، الاقتصادية الاجتماعية الاستثنائية التي يمر بها العالم أجمع، بما في ذلك الدول المتقدمة، ربما تعيد الجدل داخل أروقة السلطات التشريعية والتنفيذية، إلى جانب سلطة الإعلام وسلطة مراكز الأبحاث والدراسات، بشأن إمكانية فرض «ضريبة الأرباح غير المتوقعة» أو المفرطة «Windfall tax»، ونقلها من كواليس مراكز صناعة القرار المذكورة إلى النقاشات ما فوق-الطاولة. وفرض الضرائب على كبريات الشركات والأثرياء في هذه الظروف الاستثنائية، أمر منطقي؛ لأنهم كانوا الأكثر استفادة من ظروف الجائحة وتداعياتها المستمرة. ولسوف تساعد عائدات هذه الضريبة في تقليل عجز الموازنات، وتسديد جزء من الدين العام، وتمويل مشاريع البنية التحتية وتطوير المرافق العامة وتحسين خدماتها، على عكس ما يروّج له المعارضون لها، من أنها لا تؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37xxujxe

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"