استحقاق محمد العلي

00:01 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

ذهبت جائزة الأمير عبدالله الفيصل في نسختها الرابعة وفي حقل الشعر، للمفكر والشاعر السعودي محمد العلي، أحد أبرز أعلام الثقافة الشعرية الجديدة في المملكة منذ أوائل ثمانينات القرن العشرين، بقلم أدبي ثقافي شجاع، وسط مربع من التيارات الشعرية والفكرية التي كانت تحاصر أي اسم مثقف يصدر في كتاباته عن توجّه حداثي أو معاصر إلى درجة التكفير آنذاك، وهي المرحلة الشعرية التي ظهرت فيها تجارب تكتب وفق نظام التفعيلة ومن بينها العلي. وعلى الرغم من أن قصيدة التفعيلة هي توأم العمود الخليلي وابنته الشرعية، وفي الوقت نفسه تعتبر التفعيلة نظاماً وزنياً عروضياً هو جزء أساسي من السياق الإيقاعي التقليدي للشعر العربي، إلاّ أن المتعصّبين للشعر العمودي كانوا يرفضون كل تلك التجارب الجديدة في الكتابة.

هكذا، إذاً، كان محمد العلي في قلب تلك الزوبعة وفي صميم تلك التيارات المعادية تماماً لأي كتابة إبداعية جديدة في المملكة، مع أن الشعراء الجدد في السعودية آنذاك كانوا الأكثر هضماً وفهماً للتراث الأدبي العربي، والبعض منهم كان يكتب العمودي والتفعيلة، وتقوم ثقافتهم الشعرية على أمّهات كتب التراث العربي، ومع ذلك، كان المتعصّبون للتراث ينفون عن ذلك الجيل أية صفة أدبية.

كان أولئك الذين أُطلق عليهم وصف «الحداثيون» متشربين كلياً بالتراث والأصالة والكلاسيكية الأدبية، وكان محمد العلي يصدر في كتابته ونصوصه الشعرية عن استيعاب ثقافي وجمالي عميقين للتراث والشعر العمودي والنثر الكلاسيكي، فضلاً عن تكوينه الثقافي من ناحية أكاديمية، فهو درس الشريعة الإسلامية في بغداد، وعايش شعراء التراث والحداثة في العراق خلال الستينات، وقرأ مرجعيات الأدب العربي، وعرف جيداً ينابيعه الأولى هو وأبناء جيله ومن تلاهم من كتّاب الشعرية العربية الحديثة في السعودية.

أصبحت الشعرية الجديدة في السعودية حالة ثقافية مقبولة ومرحّباً بها، وظهر في المملكة نقاد جُدّد يحملون ثقافة أدبية عالية سرعان ما اخترقت أسماؤهم النقدية والأكاديمية مراكز النقد الأدبي في الوطن العربي،وأصبحت الكتابة الجديدة في المملكة موضع حفاوة واحترام في أرفع المنابر الثقافية العربية.

لقد جاءت جائزة الأمير عبدالله الفيصل بموضوعيتها وبرمزية الاسم الذي تحمله لتعيد الاعتبار إلى الكتابة الإبداعية الحرّة والإنسانية في المملكة، وفي الوقت نفسه يمثّل محمد العلي رمزية أخرى لهذه الكتابة الجديدة، فهو مرة ثانية، كتب بشجاعة وإيمان واستيعاب حرّ للتراث الأدبي العربي.

yabolouz@gmail.com

عن الكاتب: