القمة الخليجية - الصينية.. مضامين ودلالات

00:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *

في حدثٍ وصف ب«التاريخي»، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة للمملكة العربية السعودية، في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، استمرت ثلاثة أيام. وبالإضافة إلى اجتماعاته مع القيادة السعودية، وعلى رأسها الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، عقد شي قمتين في الرياض؛ أولاهما مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والثانية مع قادة عدد من الدول العربية.

وقد حفلت القمة الخليجية-الصينية، بعدة مضامين ودلالات لا تتصل بالعلاقات الخليجية-الصينية وحسب، وإنما تتعلق كذلك بالتوجه الخارجي لدول مجلس التعاون ودورها الخارجي، وبالترتيبات الجارية على قدمٍ وساق لتشكيل نظام دولي جديد.

وبالنسبة للقضية الأخيرة، يبدو أن القوى الكبرى، وفي مقدمتها الصين، تعلم ما لمنطقة الخليج من دورٍ مؤثر في هذه الترتيبات. ومن هذا المنظور، يمكن القول إن الزيارة الصينية وأول قمة خليجية-صينية تصبان في جهود بكين لعمل ترتيبات لما بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، وتهيئة البيئة الدولية لنظام دولي تعددي. ويبدو أن من مؤشرات «لحظة الخليج» في السياسة العالمية أنّ دول الخليج بقيادة السعودية أصبحت الموازن بين القوى الكبرى. ولنتذكر، في هذا الخصوص، زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة والقمة الخليجية-الأمريكية في يوليو المنصرم.

والحقيقة أن القمة الخليجية-الصينية لها دلالة واضحة على أن دول الخليج أصبحت تتبنى سياسات خارجية مستقلة ومبادِرة. فقد عقدت القمة برغم تحذير الولايات المتحدة، وهي الشريك الاستراتيجي الأول لدول الخليج في مجالات عدة، من «النفوذ الذي تحاول الصين تنميته حول العالم»، ولاسيما الشرق الأوسط. ويبدو أن المبادرة الخليجية تؤتي أكلها؛ فبرغم أن التوجه نحو الشرق ونحو روسيا يفسر نسبياً بتراجع الاهتمام بالدور الأمريكي في المنطقة، فقد جدّدت الولايات المتحدة ما سبق أن شدد عليه الرئيس بايدن أثناء زيارته للسعودية، وهو تأكيد تركيزها على شراكتها الخاصة مع دول الشرق الأوسط؛ بمعنى أنها لن تتخلى عن دورها في المنطقة.

ودلت القمة أيضاً على الطابع الاستراتيجي للعلاقات الخليجية-الصينية، وليس فقط الطابع الاقتصادي والتجاري، ولاسيما منذ إدراج دول الخليج ضمن الاستراتيجية الصينية الكبرى «مشروع الحزام والطريق»، وزيارة الرئيس الصيني شي الأولى للمنطقة وإصدار وثيقة «سياسة الصين تجاه الدول العربية»، لأول مرة، في يناير/كانون الثاني 2016.

وفي الوقت الذي استقبلت فيه السعودية بحفاوة بالغة الرئيس الصيني، وتم عقد قمة دول مجلس التعاون مع الصين، أعلن عن نجاح وساطة إماراتية-سعودية مشتركة لتبادل السجناء بين روسيا والولايات المتحدة. ولعل هذا مؤشر على التوازن المعياري الذي تؤسس دول الخليج عليه سياستها تجاه القوى الكبرى، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة وروسيا. والحقيقة أنّ الزيارة والقمة المصاحبة هما مؤشران لوحدهما لسعي دول الخليج إلى تنويع شراكاتها الاستراتيجية وتوازن علاقاتها بالدول الكبرى.

في كلمته أمام القمة الخليجية-الصينية، عبّر الرئيس شي عن تطلعه للشراكة مع دول مجلس التعاون «في تحقيق الأمن»، وأكد أنّ بلاده «ستواصل دعمها الثابت لأمن الخليج». ويبدو أن مزيداً من الحضور الأمني للصين في الشرق الأوسط بدأ يلوح في الأفق، منذ إعلان وزير الخارجية الصيني، في مارس /آذار2021، عن خطةٍ خماسية للمنطقة، تضمن بندها الرابع «تعزيز الأمن الجماعي المشترك». وقد نجحت دول المجلس في استثمار القمة في الحصول على دعم الصين في إدانة تدخلات إيران بالشؤون الداخلية لدول المنطقة وأنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار، ودعوة طهران «للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتزامها بالطابع السلمي لبرنامجها النووي»، وأهمية مشاركة دول المنطقة في معالجة الملف النووي الإيراني.

ومع ذلك، فليس هناك أي أفق لتوسيع الدور الأمني المحدود للصين في منطقة الخليج. فدول مجلس التعاون مازالت متمسكة بشراكتها الاستراتيجية الأمنية مع واشنطن، التي جددت أكثر من مرة التزامها بمتطلبات هذه الشراكة، ومراجعة خططها بالانسحاب من المنطقة. كما أن الصين غير مهتمة وغير قادرة على ملء فراغ القوة في الشرق الأوسط. فأولاً، تدرك بكين التكلفة الباهظة لأي توسع عسكري كبير في المنطقة. وثانياً، تسعى الصين إلى تحقيق مصالحها الإقليمية عن طريق التعاون والتنمية المشتركة وموازنة علاقاتها الاستراتيجية بشاطئي الخليج. ثم إنّ دوراً أمنياً متزايداً قد يكون له مردود سلبي على المصالح الصينية؛ فقد تضطر الصين إلى الانخراط في صراعات المنطقة والانحياز لأطراف على حساب أطراف أخرى، وقد يضعها في مواجهة مبكرة مع الولايات المتحدة في المنطقة لا تريدها.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43nyj9dw

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"