تأملات في عالم مرتبك

00:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

يستعد العالم لتوديع عام 2022 بمحطاته الصعبة وأزماته المعقّدة وفرصه المختلفة، ولاستقبال عام جديد بكثير من الآمال والتطلعات نحو عالم آمن ومستقر. وتشكل المناسبة لحظة مهمة لاستحضار مجموعة من الأحداث الدولية والإقليمية بإكراهاتها وإشكالاتها، وفرصة للتأمل، والتطلع بتفاؤل حذر نحو المستقبل.

على المستوى الإقليمي، ما زالت المنطقة العربية تعيش على إيقاع واقع قاسٍ تعكسه الأوضاع الصعبة القائمة في كل من الصومال وليبيا واليمن وسوريا التي تعرف الكثير من الأزمات الأمنية والسياسية، وفي تونس تكسّرت الآمال التي أفرزتها «ثورة الياسمين» تحت وقع المعضلات الاجتماعية والاقتصادية، التي عمّقتها الخلافات السياسية، وعدم إرساء توافقات بنّاءة بين مختلف الفرقاء، أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فالجمود يظل سيّد الموقف بفعل التنكّر الإسرائيلي لعدد من الاتفاقيات المبرمة ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى استمرار الانقسام الداخلي.

أما على المستوى الدولي، وفي الوقت الذي بدأ العالم يتخلص فيه من ضغط جائحة كورونا التي هدّدت الأمن الصحي للإنسانية بشكل غير مسبوق، بدأت تتصاعد أزمات فرعية أخرى بأبعاد اقتصادية واجتماعية، كانعكاس ارتدادي لهذا الوباء، ما مثّل ضغطاً حقيقياً أمام عدد من الأنظمة السياسية التي أصبحت مطالبة بسن سياسات أكثر عقلانية ونجاعة، للحيلولة دون تدهور الأمور وتهديد السلم الاجتماعي.

وفي ظل هذه الظرفية، قامت القوات الروسية بتدخل عسكري في الأراضي الأوكرانية، قبل أن تتصاعد الأمور أكثر، مع فرض عقوبات اقتصادية وسياسية غربية على موسكو التي صعّدت من عملياتها العسكرية، ووصل بها الأمر إلى حد ضمّ مجموعة من الأقاليم الأوكرانية إلى سيادتها. وقد كان لهذا التصعيد أثر سلبي في العلاقات الدولية بشكل عام، بعدما برزت تحديات خطِرة على مستوى الأمنين الغذائي والطاقي.

لقد تبيّن مع جائحة كورونا ومع الحرب الجارية في أوكرانيا أن هناك خللاً واضحاً في أداء هيئة الأمم المتحدة التي بدت عاجزة تماماً؛ إذ لم تستطع - من منطلق مسؤولياتها المتصلة بحفظ السلم والأمن الدوليين - أن تتخذ تدابير فعالة لمواجهة تداعيات الجائحة وقائياً أو علاجياً، ما عرّض العالم لوضع صعب وغير مسبوق بسبب اعتماد سياسات الإغلاق المعتمدة. فيما لم يتمكن مجلس الأمن باعتباره الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة المعني بمواجهة الحالات النقيضة للسلم والأمن الدوليين، أن يصدر قرارات صارمة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، على الرغم مما خلّفه ذلك من قتل، وتدمير للبنى التحتية. ومن جانب آخر، تصر كل من كوريا الشمالية على تطوير برنامجها النووي بصورة تزعج جيرانهما، فيما تؤكد الصين عزمها توحيد البلاد وصد التوجهات الانفصالية لتايوان بكل السبل.

وخلال انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022 السابع والعشرين (COP27)، بجمهورية مصر العربية في شهر نوفمبر الماضي، تبين أن هناك انقساماً واضحاً بين دول العالم بشأن كثير من النقاط التي تهم السياسات الكفيلة بوقف تدهور البيئة ومواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري.

وأمام هذه الأوضاع المقلقة، ومع حلول العام الجديد، تطرح الكثير من الأسئلة، حول ما إذا كان المجتمع الدولي قد استقى الدروس والعبر، من مختلف هذه المحطات القاسية، واقتنع بضرورة مواجهة مخاطر مشتركة، وبناء نظام دولي تعددي وعادل، تلعب فيه الأمم المتحدة دوراً أساساً.

يمر العالم بمرحلة مفصلية من تطوره، يعكسها وجود بؤر توتر منتشرة في عدد من المناطق، علاوة على تنامي التهديدات العابرة للحدود في أبعادها الصحية والبيئية والاقتصادية والرقمية.. التي تمثل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين، وهي التحديات التي تفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى إرساء مزيد من التنسيق والتعاون الإقليميين والدوليين، وتطوير وتفعيل المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، حتى تكون في مستوى هذه التطورات.

إن توالي الأزمات التي أرخت بتداعياتها على مختلف بلدان العالم، وعلى قساوتها، فهي تشكل فرصة سانحة لمراجعة النظم الدولية لإدارة الأزمات والتهديدات، ولبذل جهود حقيقية لوقف التوترات الخطِرة التي يشهدها الكثير من مناطق العالم، قبل فوات الأوان وخروج الأمور عن نطاق التحكم والسيطرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y5fmnreh

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"