حكومة السوداني بين الوعود والتحديات

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

كثيرون فى العراق حريصون على التعامل مع حكومة رئيس الحكومة الجديد محمد شياع السوداني، بقدر من الثقة من دون مغالاة في التفاؤل، لكون الرجل وصل إلى الحكم وسط حالة غير مسبوقة من الانقسام السياسى بين التيار الصدرى وحلفاؤه من القوى السياسية (السنية والكردية)، وبين تحالف الأحزاب والقوى والكتل الشيعية الذي عرف باسم «الإطار التنسيقي». هذا الانقسام حال لشهور طويلة، دون انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن بعد مضي عام تقريباً من إجراء انتخابات العاشر من أكتوبر/ تشرين أول 2021 أمكن تحقيق هذا الهدف بعد قرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الانسحاب من الحياة السياسية، من دون تقديم مبررات مقنعة، ومن دون تحديد مصير تياره السياسي، ما أدى إلى خلق فرصة لتأسيس تحالف جديد ضم أطراف «إطار التنسيق» المناوئ للتيار الصدري وزعيمه، والحلفاء السنة بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان، والكرد بزعامة مسعود البرزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، أخذ اسم «ائتلاف إدارة الدولة» استطاع أن يحقق النصاب القانوني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، ومن ثم التوافق بين قادة ائتلاف إدارة الدولة على اسم السوداني ليكون رئيساً للحكومة.

هذا يعني أنه جاء فى «ظروف استثنائية»، الأمر الذي جعل المتفائلين به يتعاملون معه ومع حكومته باعتباره «الفرصة الأخيرة»، من دون تحديد أية فرصة أخيرة يتحدثون عنها، ورغم ذلك، فإن السودانى يبدو واثقاً بأنه قادر على اقتناص الفرص والفوز بها، اعتماداً على ما يمتلكه من رصيد سياسي، وتاريخ ممتد من العمل السياسي، منذ أن أصبح محافظاً للعمارة، ثم وزيراً لحقوق الإنسان، ووزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، ثم وزيراً للصناعة، وترؤس هيئة المساءلة والعدالة، إضافة إلى كونه برلمانياً لدورات عدة. إضافة إلى هذا الرصيد يملك السوداني إمكانات قيادية مهمة، وأمامه فرصة حقيقية للنجاح في ظل حالة، ربما تكون استثنائية، من الاستقرار السياسي أعقبت انسحاب التيار الصدري، وهدوء الاضطرابات السياسية نتيجة لهذا الانسحاب، إضافة إلى وجود وفرة مالية كبيرة تساعده على نجاح مخططاته وبرامجه، فضلاً عن وجود بيئة إقليمية مواتية تأكدت في «قمة العراق الثانية» التي عقدت في الأردن مؤخراً، بحضور قادة ووزراء خارجية يمثلون 12 دولة، أكدوا وقوفهم إلى جانب العراق في مواجهة جميع التحديات.

أدرك السوداني حقيقة دعم البيئة الإقليمية والدولية لحكومته مبكراً، بإعلانه أمام جمع من الإعلاميين أن «المجتمع الإقليمي والدولي داعم لهذه الحكومة»، واستفاض في شرح معالم توجه السياسة الخارجية لحكومته وتحديده أنها «تبنى على مبدأ المصالح المشتركة»، إضافة إلى «طريقة استرداد أموال العراق الموجودة خارج العراق في العديد من الدول»، إلى جانب ذلك حدد السوداني خمس أولويات لحكومته، هي: أولاً معالجة الفقر، وثانياً مواجهة البطالة وخلق فرص العمل، وثالثاً انجاز «المشاريع المتلكئة» ذات العلاقة بالخدمات العامة المطلوبة والتي لم يتم انجازها، ورابعاً، الإصلاح الاقتصادي، وأخيراً محاربة الفساد.

ويدرك السوداني أن «الناس فقدوا الثقة بالنظام»، وفقاً لأحد تصريحاته، ويعد باسترجاع هذه الثقة، والسؤال هنا: هل يستطيع؟

فوجئت حكومة السوداني بتفجر الخلافات وسط أطراف «الإطار التنسيقي» الذى يوفر الأغلبية البرلمانية للحكومة بسبب ما يعتبره البعض «تقارباً غير مقبول» من حكومته مع الولايات المتحدة. حدث ذلك بعد تلقي السوداني اتصالاً هاتفياً من منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكجورك، وإبلاغه أن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين سيسافر إلى واشنطن على رأس وفد حكومي لتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين بموجب اتفاق «الإطار الاستراتيجي» بين البلدين. لذلك بادرت أحزاب فى الإطار التنسيقى بمطالبة السوداني التفاوض مع واشنطن لتعديل هذا الاتفاق.

هذا الانقسام يرى البعض أنه قد يؤدي إلى انفراط «الإطار التنسيقي» نفسه، ما يعنى تبعثر الأغلبية البرلمانية للحكومة. في ذات الوقت تواجه الحكومة صعوبات في محاربة الفساد، وهذا ما عبّر عنه السوداني نفسه، في أول لقاء له مع المسؤولين في «هيئة النزاهة»، الموكلة بمحاربة الفساد بقوله «هيئتكم بحاجة إلى هيئة لمحاكمة الفساد». والعجز عن محاربة الفساد ينعكس مباشرة على تزعزع الثقة الشعبية في ظل قناعة تقول إن «الفساد بات نظاماً في العراق»، وإن محاربته في حاجة إلى «اتفاق سياسي تلتزم به أحزاب وقوى السلطة».

تحديات حقيقية تواجه حكومة السوداني لكنه مازال حريصاً على المراهنة أن في مقدوره إنجاز أولوياته ووعوده في استعادة الثقة الشعبية بالنظام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vccapyzz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"