علي بن ثالث

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

جلست معه لأول مرة قبل 6 أعوام، كان الدخول في حوار في بادئ الأمر ليس سهلاً، لم تكن سوى معرفة لحظية حتى بادرنا في الحديث عن البيئة البحرية التي هي اهتمامه الأول ومنشؤه بجانب البحر، وهي تخصص علمي بالنسبة لي، لم أره يومها مجرد مصور فوتوغرافي، بل باحث ومهتم، قلق ومتسائل عن ماذا سيحل بمن يعيش في البحر، القصة أعمق من مجرد حقائق علمية أو صور، هي واقع وتجربة عيش متجذرة في أعماقه وهي حالته المتفردة في قصصه التي نتابعها مع كل رحلة تصوير.

علي بن ثالث، أحد رواد التصوير الفوتوغرافي تحت الأعماق في المنطقة، وشخصية مائية حتى النخاع، تعيش في داخله الكائنات كأنها ذراته وحركته ومشاعره وإحساسه، نحن ندخل معارضه، نشاهد ونتعجب مما تلتقطه الكاميرا، لكن خلف الكاميرا، أي قصة وأي درس؟ أي مخاطر وأي تحديات؟ كم الإرهاق والتعب والاستعداد الجسدي والنفسي؟ المتابع له باهتمام سيجد أن كل رحلة تصوير هي حالة من البحث، التخطيط، التجهيز، والترقب، ومعرفة دقيقة ومستفيضة، مبطنة بمعرفة تامة أنها قد تكون رحلة ناجحة أو أنها تجربة قد لا تؤتي نتائجها لكنها تستحق المغامرة المنشودة.

في «مذاهل الأعماق» تجربة عرضية ل 46 عملاً فنياً له في ال 5 أعوام الماضية، تعرض في جاليري خولة، هي تجربة تختزل مدة ليست بالقصيرة في عمره الفوتوغرافي، وهي امتداد لمسيرته التي تتطور وتذهلك في كل مرة، الكائنات التي نراها في الصور هي بيئة بحرية تبهرك، وتتجلى فيها عظمة الخالق، كثير من الصور التي نراها أخبرني يوماً أنها في الوقع كائنات صغيرة، وقد يعاني لكي يجدها، أو أنها لا توجد إلا في مياه معينة في مكان ما، وفي موسم معين، ليست غطسة أو غطستين، بل مرات ومرات حتى يحظى بصورته التي يتطلع لها، حجم معداته ليس بالبسيط، وزناً ودقة وأحياناً تعقيداً، الإنجاز ليس سهلاً كما نراه، بل كل مبدع هو في الحقيقة مرهق، متعب ومثابر، ذو شغف يجعله يستمر ويحقق آفاقاً ذات أعماق مذهلة، تجعله متفرداً.

التجربة اللحظية تموت، ومن يثابر سيجد أنه كلما تعب وتطوّر، وأخذ وقتاً أطول، كانت الحالة البصرية للجمهور غير اعتيادية، ولا أقول سوى أنها استثنائية مبهرة، هذا المعرض رسالة للمبدعين، لا تستعجل، اصبر، تمهل، ادرس وكن مثقفاً فيما تقدم، استمع لمن سبقوك، عاصر تجاربهم، تجمّل بحسن الإنصات، كن تلميذاً غير مقلد، أبدع بأسلوبك، وكن قصة ذات أثر في أيقونة ومنظومة المؤثرين في الساحة الثقافية الفنية، كلمة شكر لأخي علي بن ثالث ومن هم مثله، على كل التعب، وكل الإصرار وكل الجهود الفردية التي تجعله يطارد فنه وشغفه، ويكمل مسيرة صعبة تستحق التوثيق والإشادة. ستذهل حين تلج هناك، وكلها أبعاد مضيئة لمستقبل الثقافة في هذا الوطن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/22dak9vv

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"