فاطمة البقالي

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

يحزنني كثيراً رحيل مبدع، وما يحزنني أكثر أننا جميعاً، نتذكره ونعيد سيرته، وإن كانت مجرد سرد عابر. ينتفض العالم حزناً لرحيله، والرثاء يعمّ المجالس، والمؤسسات الثقافية لا تتوانى عن ذكره، وهي مشكورة على ذلك، ولكن أين ما فعلتموه في حياته، في روحه التي كانت على الأرض قبل أن تصعد للسماء؟ لماذا كل فرد مبدع يدرك تماماً أنه سيُعرف بعد رحيله؟!

في ليلة من ليالي رمضان، فجعنا، وفجعتُ برحيل زميلة مبدعة في الخط العربي والزخرفة الإسلامية، أختنا فاطمة البقالي، يرحمها الله. لم تكن لقاءاتي بها كثيرة، ولكنّني أعرفها منذ زمن، حين بدأت الخط، وقد سبقتني إليه ببضعة أعوام. كانت دقيقة في عملها، حريصة على الإتقان، وقلة الحديث، إلا أنني عرفت يقيناً مدى صرامتها فيما يتعلق بالخط وأهله.

قد لا نتفق في كل شيء، لكننا اتفقنا على حب الخط العربي، وحب أهله. فاطمة رحلت بهدوء لم نعلم عنها، رحلت بعد أن أرخى المرض أوصالها، واختارها الله، ولم ترحل عن دعائنا في هذه الأيام المباركة.

كانت تقول لي مرة «يجب أن نقوم بالخير، ومن الخير أن نُعَلِّم الخط العربي ليبقى ويستمر».

كانت مقلة في الظهور، وأُدرك أن كثيرين لا يعرفونها إلا في الوسط القريب للخط العربي، وبعضهم، لربما سمع اسمها لأول مرة. حين رحلَت، كنت أحدث نفسي: لها بكل ثقة إرث جميل في أعمالها التي أحبتها وعاشت معها، لربما لها اليوم نصيب بأن يعرفها من على الأرض بما تركت وراءها من حب مبطن في عملها، ولا أخفيكم، شعرت لوهلة بعد وفاتها بفراغ، وبخوف، أننا لا ندرك معنى الرحيل، وخلفنا عالم من الإبداع سيرثه أهلنا، وهل يدركون قيمته؟ أتمنى أن تكون أعمالها في مكان يحفظ سيرتها، ويسرد قصتها، وأن تسرد قصتها بكل إخلاص ودقة.

في إحدى منصات مواقع التواصل، بعد يوم من وفاتها، وُضِع فيديو قصير عنها بأنها أول خطاطة خليجية، فرحت به أولاً، لكنني أدركت مدى فقرهم بحقيقة المعلومات عنها، وكأنها وقفت عند مكان ما قبل 10 أعوام فقط. وكأن الفيديو هذا فقط من باب الواجب تجاهها. رحل قبل فاطمة بعقدين أخونا الخطاط عيسى، كان طياراً في طيران الإمارات، ما زلت أذكره، لم ألتقه يوماً، ولكن أستاذي ذكره لي في أثناء تعلمي بمعهد الشارقة للخط العربي. وبعد أعوام طويلة نظمت جهة معرضاً لإحياء ذكراه، وكانت أعواماً طويلة من رحيله.

فاطمة هي عند رب كريم، ولها إرثها من الخير الذي قدمته وقالته، ويبقى سؤالي لكل مسؤول في مؤسسة ثقافية: هل وفيت حقها وحق من رحل ومن لا يزال على هذه الأرض من قيمة وحرص وتوثيق ودعم؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4h29a3xd

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"