ضرورة الثقافة الاستشرافيّة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لماذا تشرئبّ أذهان الجهات الأربع متطلعة إلى نظام عالمي جديد؟ خبراء الاستراتيجية والجغرافيا السياسية، ليسوا من قرّاء الفناجين، ولا من ضاربي الودع، في انتظار ما يقوله الودع، بل هم يستقرئون الغد وما بعد الغد، ليعرفوا متى ساعة صفر الوداع، ومتى بسمة انبلاج الفجر العالمي المأمول.

لا أحد يودّ أن تكون الثقافة في العالم العربي، كدار لقمان على حالها، أو كحليمة، تعود دائماً إلى عادتها الاستلابية القديمة. لكن للأسف، لم يفكر المثقفون في رأب تصدعات جدرانها، في تغيير ديكورها بما يتناسب والعصر، لأن تطوير الأدوات يطور الأداء. لم يهبّوا لنفض الغبار وجمع المهملات. لا شك في أن لكل شيء مهملات، المادي وغير المادي سواء. السبب واضح: لا وجود للبحث العلمي لأن الاستشراف غير موجود، ولا وجود للاستشراف لأن ثقافة البحث العلمي مفقودة.

واهمٌ هو من يظن أن الغرب استشعر انحدار الغرب بعد الرابع والعشرين من فبراير 2022، اندلاع الحرب الأوكرانية. دع جانباً الكتب والبحوث والدراسات والمحاضرات، التي تناولت الأفول الغربي، فالرئيس الفرنسي إيمانوئيل ماكرون، في أحد خطاباته الأخيرة، تحدث صراحة بالدلائل قائلاً: «إننا نشهد نهاية الهيمنة الغربية على العالم». لقد وقف الرجل بين ابن خلدون وأرنولد توينبي، واصفاً انتقال التوسع الإمبراطوري من فرنسا ثم إلى بريطانيا العظمى، انتهاء إلى السيطرة الأمريكية عالمياً، وكأنه يقول للقطب الذي أطربه موال فوكوياما عن «نهاية التاريخ»: «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك».

إذا لم يحظ العالم العربي بثقافة استشرافية، في ما مضى، فهي اليوم ضرورة قصوى. لقد كانت علاقتنا بالغرب ثقيلة، مملة، مقيتة، فقد أخذ كل شيء، ولم يترك حتى الفتات الحضاري، وكانت البلدان العربية غابنة نفسها، لم تتعلم البحث العلمي، ولم تكسب العلوم، لم تسلك دروب التنمية، لم ترتقِ بالفنون الجادة، لم تتقدم كما يجب على طريق حريات الفكر والرأي والتعبير. بعبارة أخرى، النظام العالمي الجديد، يعني قواعد مختلفة للعلاقات الدولية، وهذه ستفضي إلى أنماط أخرى من التفكير والتعامل، بحيث تسود ثقافة القانون الدولي العادل وعدم إخضاع الدول الضعيفة بالقوة وانتهاك الحقوق والإملاءات. ما يدعو إلى التفكير الاستشرافي، هو أن جانباً كبيراً ممّا نختزنه في ثقافتنا السائدة، هو غربي بامتياز. منظومة القيم الثقافية الغربية أفلست حتى في نظر الغرب نفسه. ماذا نحن فاعلون بها؟ ما هو البديل الذي يحفظ ماء الوجه أمام نظام عالمي جديد مختلف؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستعجالية: ما هي الدعائم الثقافية العربية التي تجعل العالم العربي راسخ القدمين في النظام العالمي الجديد؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5fnhbt98

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"