عادي
الكاتب والشاعر الأمريكي «إدجار ألان بو» من شخصياته

«العين الزرقاء الشاحبة».. فيلم قاسٍ وممتع

22:59 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

الفيلم الذي يجعلك تطرح الكثير من الأسئلة، ويثير فضولك لمعرفة المزيد عن تفاصيل قصته، من أين أتت؟ وهل هي مأخوذة عن قصة حقيقية؟ وطالما أن أحد أبطالها شخصية معروفة في الواقع، فهل هذا يعني أن الفيلم يحكي جانباً من حياته؟.. هو فيلم ناجح ومميز ومحبوك بحرفية عالية، لدرجة أنه يختلط على الجمهور التمييز بين الخيال والواقع، تصدقه لدرجة أنك لا تستبعد أن يكون حقيقياً، وشخصياته كلهم من لحم ودم، ولم يولدوا على الورق فقط. هكذا هو فيلم «العين الزرقاء الشاحبة» أو «ذا بيل بلو آي» الذي تعرضه منصة «نتفليكس»، يجذبك، يأسرك، يقنعك ويمتعك، فتكمل معه الرحلة لنحو ساعتين و8 دقائق، ويستمر يتفاعل بأحداثه في عقلك بعد انتهاء المشاهدة، وتسترجع بعض أهم مشاهده بمخيلتك، محاولاً لعب دور المحقق الذي يحلل كل تفصيلة ليفهم أكثر.

ما علاقة الكاتب والشاعر الأمريكي المشهور والمحبوب حتى يومنا هذا إدجار ألان بو بفيلم «العين الزرقاء الشاحبة»؟ يختلط علينا الأمر، فنحسب أن بو هو مؤلف هذا الفيلم المنتمي إلى نفس نوعية قصصه وكتاباته، وهو الذي انطلق بشهرته من الولايات المتحدة الأمريكية إلى العالمية برومانسية أشعاره، وكأحد أوائل مؤلفي القصص القصيرة، وأول من أدخل القصص البوليسية المشوقة والمفعمة بأجواء التحقيقات والغموض إلى الروايات الأمريكية، إنما إدجار ألان بو هو شخصية موجودة في الفيلم، وليس المؤلف، ويبدو أن الكاتب لويس بايارد حاك روايته «ذا بيل بلو آي» من وحي أجواء قصص بو، وجاء الكاتب والمخرج سكوت كوبر، ليحول الرواية إلى فيلم قاس وممتع في آن، التشويق فيه يتصاعد ولا يبلغ ذروته في منتصف الفيلم، بل يريحك عند الوصول إلى الربع الأخير من العمل، فتحسبها النهاية الختامية، فإذا به يحيك خيوطاً جديدة، ويعيد ترتيب كل الأوراق من جديد، ويكشف عن مفاجآت غير متوقعة، ويرفع سقف الإثارة، فيحبط كل توقعاتك واستنتاجاتك، وكأنها قصة في قلب قصة، وتراكمات جرائم تحل ألغازها الواحدة تلو الأخرى، ثم تكتشف في طيات الأحداث قطبة مخفية تمسك كل خيوط وأسرار الحكاية.

شخصية المحقق

المخرج سكوت كوبر يحب التعاون مع النجم كريستيان بيل، فيسند إليه دور البطولة هنا أيضاً، فيلعب شخصية المحقق أوغسطس لاندور، القروي الذي اختار العزلة بعد اختفاء ابنته الوحيدة ماتيلدا أو ماتي (هادلي روبنسون) كما يحب مناداتها، بذكاء ينطلق المخرج كوبر بلقطة يجب الانتباه إليها لأنها ترتبط بأحداث لاحقة مهمة في الربع الأخير من الفيلم، نحن في نيويورك عام 1830، لاندور يغسل شيئاً ما بيديه عند النهر عندما يسمع صوت النفير قرب منزله، الضابط هيتشكوك يبلغه باستدعائه من قبل رئيس أكاديمية الولايات المتحدة العسكرية، للتحقيق في مقتل الجندي الشاب، ليروي فراي (ستيفن ماير) الذي وجدوه منتحراً بحبل في منطقة قريبة من معسكر الأكاديمية «ويست بوينت»، والكارثة الأكبر أنهم اكتشفوا أن هناك من مثّل بالجثة وانتزع قلب الشاب بعملية جراحية، يبدو أن من قام بها ليس طبيباً ولا محترفاً.

برغم قسوة بعض المشاهد، فإن التصوير السينمائي لماسانوبو تاكياناجي رائع، خصوصاً في المشاهد الخارجية، حيث المزج بين رمادية السماء والثلوج والأجواء الباردة وزرقة الزي العسكري للمجندين، ناهيك عن الديكور الداخلي الذي ساهم أيضاً في نجاح العمل.. معظم الأحداث تدور في ويست بوينت العسكرية، حيث تسود أجواء الذعر بين الطلبة المرعوبون بسبب ما حصل، ورئيس الأكاديمية ومعاونيه الخائفون من الفضيحة التي ستشوه سمعة الأكاديمية، خصوصاً أن طلابها كانوا من خيرة النبلاء والعائلات المرموقة في ذلك الوقت، لذا يطلب هيتشكوك من لاندور التكتم والسرية التامة في التحقيقات، وعدم إبلاغ أحد بما يتوصل إليه، إلا له شخصياً، وهو بدوره يبلغ رئيس الأكاديمية.

استلام القضية

لاندور يكسر عزلته، ويوافق على استلام القضية، كما يكسر عزلته كأرمل بارتباطه بصاحبة حانة طيبة القلب باتسي (شارلوت جينسبورج)، يتعامل مع القضية بذكاء شديد، ويستوقفه ذكاء الجندي الشاب إدجار ألان بو (هاري ميلينج)، العاشق للشعر، والذي يلفت انتباه المحقق إلى أن القاتل على الأرجح شاعر أو يحب قراءة الشعر، من هنا يتقرب لاندور من بو، ويكلفه بمهمة جمع بعض المعلومات بشكل سري ومن دون لفت انتباه أي أحد.

الكاتب أراد تقديم مرحلة من مراحل حياة إدجار ألان بو التي عاشها بالفعل وهو شاب في تلك الأكاديمية العسكرية، وذهب بخياله لخلق قصة تتناغم مع طبيعة روايات بو وعشقه للأجواء البوليسية وحل ألغاز الجرائم، فجعله مساعداً للمحقق لاندور، بل حوله إلى محقق لا يقل براعة، ليس عن لاندور وحده بل يوازي أشهر محققي القصص البوليسية في تاريخ الروايات العالمية، مثل السيد بوارو وشيرلوك هولمز.

في القصة أكثر من جريمة، فبعد «انتحار» فراي، والذي تبين أنه قُتل ولم ينتحر، يجدون الجندي راندي بالينجر مشنوقاً بنفس الطريقة، وقد انتُزع منه قلبه أيضاً، ما يجعل لاندور يفكر في احتمالات أخرى، منها أن القاتل من عبدة الشيطان أو أي ديانة ومعتقد مختلف يدفعه إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة.

إدجار ألان بو شاب منبوذ اجتماعياً، حساس جداً، واجه تنمر كل طلبة الأكاديمية بشجاعة، وهو يعلم جيداً أنه يتعرض للتنمر بسبب شكله وشاعريته وضعف بنيانه.. وقد أحسن المخرج اختيار الممثل هاري ميلينج ليجسد شخصية بو بامتياز، خصوصاً أنه يتطابق معه في الشكل الخارجي إلى حد كبير، وأداء هاري مناسب جداً ومقنع خصوصاً أنه يعتبر بطلاً في العمل بجانب كريستيان بيل المتميز هو الآخر بدور المحقق الغامض والمكتئب لاندور.

تقنيات سينمائية

من الشخصيات المميزة أيضاً في الفيلم، طبيب الأكاديمية دانيال ماركيز (توبي جونز) وعائلته المريبة والمكونة من زوجته جوليا (جيليان أندرسون) وابنته المريضة والرومانسية ليا (لوسي بوينتون) وابنه أرتيمس (هاري لاوتي).

الفيلم يقدم لنا إدجار ألان بو كما يتخيله المؤلف لكنه يليق به لأنه يقترب إلى حد بعيد من روح بو في الكتابة وفي التفكير والأداء، كما جسد جوانب من حياة بو الحقيقية مثل حبه لشرب الخمر وجنوحه للغموض والسوداوية والأفكار المظلمة.. الكاتب والمخرج سكوت كوبر كان وفياً لنص لويس بايارد، قدم الرواية بقالب جميل ورفع من مستوى التشويق بتقنيات سينمائية وبراعة رغم صغر سنه في مجال الإخراج السينمائي. أهم ما يميز هذا الفيلم أنه مجموعة جرائم تنطوي على ألغاز تعتقد أنك وجدت القاتل الحقيقي فيها، ثم تكتشف أنها تطوي خلفها جرائم أخرى وقاتلاً مختلفاً تماماً وأسراراً تعيدك إلى نقطة البداية وتتركك مندهشاً مذهولاً، مع نهاية تثير الجدل بين من يتقبلها كما هي ومن يفضلها مختلفة، لكنها في الحالتين منطقية وغير مألوفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mt9vb9kn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"