تاريخ من الحروب

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

تتعدد أسباب قيام وازدهار الحضارات، ومن هذه الأسباب ما يرتبط بالزراعة والاستقرار، كما حدث في العراق ومصر والصين، وهناك حضارات اعتمدت على التجارة والتنقل وحركة البشر الفينيقية، وهناك حضارات تميزت بالطابع الفكري الواضح مثل الحضارة اليونانية القديمة.

في كتابه: «الحضارة.. كيف هيمنت حضارة الغرب على الشرق والغرب؟»، يذهب المؤرخ الأمريكي نيال فرغسون، إلى عدة عوامل أدت إلى صعود الغرب بداية من القرن السادس عشر، وعلى رأس تلك العوامل المنافسة. فبداية من عام 1500، كان التاريخ على موعد مع حضارة قُدّر لها لاحقاً أن تسيطر على العالم، ليس هذا فحسب؛ بل وتنقل إلى الآخرين ثقافتها وقيمها وأنظمتها الاقتصادية والسياسية.

لقد استوقف الصعود الغربي كثيراً من المؤرخين، منهم من اتسم بالنزعة التقليدية التي تذهب إلى أن انتشار حضارة الغرب كان نتيجة لرسالة «الرجل الأبيض» في تمدين العالم، ومنهم من أعاد ذلك إلى جاذبية قيم التنوير التي وجدت فيها الشعوب الأخرى أفكاراً بإمكانها أن تساعدها في النهوض والتقدم، وهناك اتجاه آخر في التاريخ يرى أن صعود الغرب جاء نتيجة لسلسلة عمليات ضمت تغيرات اجتماعية في طبقات المجتمع، وتزامن ذلك مع حركة إصلاح ديني وتوجّه نحو الخارج عبر الكشوف الجغرافية، ولكن فرغسون يذهب إلى أن المنافسة وحدها ميّزت الغرب ودفعته إلى تأسيس حضارة لم يعرفها العالم من قبل.

الملاحظ أن مصطلح المنافسة في الكتاب، يشمل كل ما تشير إليه الكلمة من أبعاد، فهناك المنافسة التجارية، والاستعمارية والفكرية، وحتى في إجراء البحوث العلمية، ولكن في قلب تلك المنافسة كان هناك الصراع والحرب، فبين عامي 1500 و1799 انشغلت إسبانيا بحروب غطت 81% من تلك الفترة، وتورطت فرنسا في حروب وصلت إلى نسبة 52%، وحصلت الحروب البريطانية على نسبة 53% في الفترة الزمنية نفسها، هذا فضلاً عن تفاصيل مطوّلة يوردها فرغسون تظهر للقارئ أن التاريخ الغربي مجموعة حلقات من الحروب والصدامات الداخلية والخارجية.

ولكن بخلاف ما يذهب إليه المؤلف، كان الحظ أيضاً حليفاً للغرب، حيث لم يكن هناك في القرن السادس عشر أي قوة عالمية تستطيع منازعته التمدّد في الخارج. فالعالم الإسلامي كان على وشك دخول مرحلة تراجع طويلة. أما الصين فكل من قرأ جانباً من تاريخها يعلم مثلاً أن أكبر أسطول شهده العالم حتى الحرب العالمية الأولى، كان أسطول القائد جينغ هي، في حدود عام 1492، وتكوّن من 300 سفينة شراعية كبيرة، و28 ألف بحار، وجاب بحار العالم، ويقال إنه وصل إلى الأمريكيتين، ولكنه لم يخض أي حرب، وكان مهتماً بالتوقف في مختلف الموانئ للتعرّف إلى مختلف الشعوب أو للتبادل التجاري.

لم تكن الصين ترى آنذاك في أي بلد آخر غنيمة أو ثروات قابلة للنهب، أو أرضاً صالحة للاستثمار، كانت «إمبراطورية السماء» آنذاك ثرية ومكتفية بذاتها وبتقدّمها العلمي، وكانت ثقافتها وفلسفتها تتأسس على السلام، والتكيف مع العالم وليس الهيمنة عليه، كما هي روح الفلسفة الغربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/38mx6dxk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"