التطبيع بين دمشق وأنقرة إلى أين؟

01:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

تبدو المصالحات التركية مع العالم الخارجي أمام تحديات عديدة، لكن المؤكد أن تركيا تسعى إلى سياسة خارجية جديدة مدفوعة بعوامل متعددة داخلية وخارجية.

ويمكن أن نذهب إلى القول إن هذه المصالحات نجحت جزئياً مع بعض دول الخليج وإسرائيل، فيما لا يزال ملف المصالحة مع مصر متعثراً على الرغم من أنه بدأ قبل غيره.

واتجهت الأنظار، أخيراً، إلى محاولات المصالحة بين تركيا وسوريا. ولا ريب في أن الملف التركي – السوري يختلف عن ملفات العلاقات التركية مع الدول الأخرى، لجهة أنه الأكثر تعقيداً، ويحمل عناوين كبيرة يحتاج كل منها إلى مسار دونه صعوبات مثل الانسحاب التركي من سوريا، وملف المسلحين في مناطق الاحتلال التركي، وقوات «قسد» بعصبها الكردي في مناطق في غربي الفرات وفي شرقه والوجود الأمريكي العسكري فضلاً عن تواجد لاعبين أساسيين مثل روسيا وإيران.

وقد استبشر المراقبون خيراً في الرغبة التركية في فتح صفحة جديدة مع دمشق، لا سيما أن الرئيس التركي رسم قبل شهرين تقريباً ما يمكن تسميته «خريطة طريق»، لحل الخلافات. وقد استهلت هذه الخريطة باجتماع على مستوى وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا في موسكو في نهاية الشهر الفائت، وصدرت بيانات عن وزارات الدفاع في الدول المشاركة تعكس أموراً إيجابية.

غير أن المحطة الثانية من خريطة الطريق والتي كان يفترض أن تشمل اجتماعاً لوزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا ربما في موسكو وكان مرجحاً لها أن تنعقد في منتصف كانون الثاني/ يناير الجاري لم تنعقد. ومن ثم حدد وزير خارجية تركيا مولود تشاويش أوغلو موعداً جديداً هو مطلع شباط/فبراير المقبل. غير أن الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين ذكر أن الاجتماع يمكن أن يكون في منتصف شباط/فبراير، متوقعاً وهنا الأهم، احتمال أن يعقد وزراء الدفاع في تركيا وسوريا وبالطبع روسيا لقاء جديداً قبل أن يجتمع وزراء الخارجية. وهذا يفيد بلغة الواقع أن هناك عقبات لا تزال تعترض المسار الميداني للمصالحة. يزيد من هذا التفسير أن قالين نفسه عاد من جديد للتلويح بنغمة أن العملية العسكرية البرية لبلاده لا تزال خياراً على الطاولة.

في هذا الوقت جاءت المواقف التي عبّر عنها الرئيس السوري بشار الأسد بعد لقائه المبعوث الروسي ألكسندر ليرمنتييف، لتؤكد الشكوك حول تعثر مسار المصالحة عندما قال: إن زوال الاحتلال التركي شرط لمضي المصالحة في طريقها، وأكد أيضاً ذلك وزير الخارجية فيصل المقداد الذي تحدث عن أولوية إنهاء الاحتلال التركي.

وجاء تسخين الميدان، أخيراً، في الشمال السوري وسقوط قتلى وجرحى من الجيشين التركي والسوري بمنزلة رسائل عودة إلى المربع الأول للمصالحة.

وفي الواقع يمكن القول إن الكرة في الملعب التركي. ذلك أن السوري ليس لديه ما يعطيه؛ إذ إن المسلحين هم في مناطق الاحتلال التركي، والجيش التركي، لا السوري، هو الذي يحتل أراضي في سوريا. كما أن مشكلة اللاجئين تعتمد على وجود نية جدية لدى تركيا، لإعادتهم وعدم استثمارهم ورقة انتخابية في الداخل التركي، ولا ورقة ابتزاز في المواجهة مع الدول الأوروبية.

لذلك، إن تقديم تركيا لخطة عملية، تلحظ جدولة زمنية للانسحاب ومكافحة المسلحين وعودة اللاجئين وتوقيع اتفاق أمني جديد والبدء بتطبيقه بسرعة وقبل الانتخابات النيابية وبضمانات إقليمية ودولية قد تكون من روسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة، هو الخطوة العملية المطلوبة في هذه اللحظة وإلا لكان الهدف المعلن للرئيس التركي من المصالحة هو مجرد «صورة» مع الرئيس السوري، يوظفها في الانتخابات الرئاسية، وهذا لا يمكن لعاقل أن يتوقع موافقة دمشق عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mm2nkw4v

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"