منع ظهور قوى منافسة.. هدف أمريكي

01:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

منذ اليوم الأول لانزلاق أزمة أوكرانيا إلى هوة سحيقة، كانت إدارة صناعة الأزمة تحمل ملامح الاندفاع القتالي، كستار تكمن وراءه أحلام الهيمنة على النظام الدولي الجديد والقادم. وهذا التزاوج بين الحرب والنظام الدولي تسجله شهادات أمريكية لمسؤولين سابقين، وخبراء لديهم اطلاع على ما يجري في الخلفية غير المرئية للمشهد البادي للعيان. إن ما يحرك الأحداث بتلك الصورة، ليس وليد اليوم أو الظروف والأوضاع الدولية الراهنة، لكنه يتأسس على معايير تاريخية وعلمية راسخة، تستخدمها سياسة أمريكا الخارجية في توجهاتها، استناداً إلى ما يسمى «الاستراتيجية الأمريكية العالمية»، وهي عملية تقوم الدولة بمقتضاها بالمزج بين الأهداف والوسائل، وهو ما يقرب حاضراً من التكامل بين حرب أوكرانيا كوسيلة، وهدف الهيمنة على النظام الدولي.

هذا ما يقرره البروفيسور كريستوفر بين، أستاذ السياسات الدولية والاستراتيجية العسكرية في دراسته العلمية بعنوان «الهيمنة أم توازن القوى في القرن الواحد والعشرين».

ويقول بعبارات محدّدة إن النقاش حول الاستراتيجية الأمريكية العالمية، كان يُجرى بشكل يومي، ترافقه خطط تمدّد حلف «الناتو»، ويضاف إليها صعود الصين، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والميزانية العسكرية، والسياسة التجارية. وفي هذا تكون مهمة الاستراتيجية العالمية هي المزج بين تلك المكونات معاً في نسيج متماسك وملتحم بعضه ببعض.

وكذلك يرى بعض الاستراتيجيين أن الاستراتيجية الأمريكية العالمية بدت في ظروف لاحقة محيّرة ومثيرة للارتباك؛ لأن زوال الاتحاد السوفييتي أدى إلى تحوّل النظام العالمي بشكل دراماتيكي، وفي الوقت نفسه لم يطرأ تغيير على الاستراتيجية الأمريكية يتوافق مع التغييرات التي أحدثتها نهاية المواجهة مع السوفييت، بحيث إن الولايات المتحدة ظلت تتبع نفس معايير استراتيجيتها العالمية التي بدأت منذ عام 1945 وحتى 1991، والتي عرفت باستراتيجية التفوّق، وهي امتداد لسعي صناع السياسة الخارجية، من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى إيجاد نظام عالمي تقوده أمريكا. وينبني على مفهوم: أمريكا القوية التي تتمتع بالتفوق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وتقوم على فكرة القيم الأمريكية باعتبارها مركز إلهام للشعوب الأخرى، وظل ذلك من بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي يمثل جوهر استراتيجية التفوق والغلبة، والقوة المحركة للسياسة الخارجية. ومع ذلك، فقد ظل صناع السياسة الخارجية في غياب الحرب الباردة تنقصهم الدوافع التي تبرر استمرار الولايات المتحدة في السعي إلى التفوق عالمياً.

وكما يقول ملفين ليفلر في كتابه «تفوق القوة»، فإن الاستراتيجية الأمريكية لم يطرأ عليها أي تغيير، مقارنة بما كان عليه الحال بعد الحرب العالمية الثانية، ومن بعدها وإلى اليوم مازالت أمريكا تسعى إلى دفع استراتيجية التفوق من أجل تعظيم السيطرة الأمريكية على النظام الدولي، بمنع ظهور قوى كبرى منافسة في أوربا وشرق آسيا.

وهناك جانب من جوانب هذا التفكير يرى أن استراتيجية التفوق تقوم على افتراض أن الدول تحقق أمنها ليس عن طريق ميزان القوى؛ بل عن طريق انعدام توازن القوى، وأن ذلك يتحقق من خلال السعي إلى الهيمنة.

وحسب تقدير كريستوفر لين الذي يعد مستشاراً لمؤسسة «راند» ذات الثقل السياسي والعسكري في الولايات المتحدة، فإن استمرار الهيمنة الأمريكية، يعد شرطاً أساسياً مهماً ومطلوباً، من أجل ضمان الاستقرار العالمي.

من جهة أخرى يرى البعض من خبراء السياسة الخارجية أن صعود قوى دولية جديدة، سوف تكون له نتائج ضارة بالولايات المتحدة، أولها أن أي قوة كبرى جديدة قد يتملكها تطلع نحو السيطرة. وإذا نجحت في ذلك، فإن هذا سيمثل تهديداً جدياً لأمن الولايات المتحدة. وثانياً، فإن بروز قوة كبرى جديدة، كان من الناحية التاريخية يعد ظاهرة تقود إلى عدم الاستقرار على مستوى السياسة العالمية، وإن كان ذلك لا يمنع من ضآلة القدرة على منع صعود الصين على وجه الخصوص كقوة كبرى جديدة؛ لأنها تقع خارج مجال النفوذ الأمريكي بخلاف الحال بالنسبة لدول أوروبية، أو اليابان، ثم إن التطورات المتلاحقة في التقدّم في الصين في مختلف فروع امتلاك القوة قد جعلتها بالفعل قوة كبرى، ولن تستطيع الولايات المتحدة مهما فعلت منع بروزها على هذا النحو.

أمام تلك الرؤية متنوعة التوجهات، فإن بعض المحللين طرحوا سؤالاً يقول: وهل تستطيع الولايات المتحدة منع صعود قوى كبرى جديدة، وبالتالي دوام هيمنتها؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mry3s3xj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"