درويش وماركيز وحمزاتوف

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

باعثة على الفضول تلك اللقاءات التي تجمع بين رموز أدبية وفكرية تنتمي إلى ثقافات مختلفة، فالأديب تجمعه في الأغلب علاقات صداقة، أو مجرد معرفة، أو حتى خصومة من تلك المعتادة بين «أهل الكار» نفسه، بمثقفي بلده أو أمته. وتتبع شأن هذه العلاقات مهم، خاصة عند كتابة سيرة هذا الأديب أو ذاك، فقد نستطيع من خلال ذلك أن نلمّ بتفاصيل عن حياة وإبداع أحدهما أو كلاهما، ولكن هذا النوع من العلاقات يظل في إطار الثقافة نفسها، على خلاف العلاقات بين أدباء أو مفكرين أو فنانين من ثقافات ولغات مختلفة، تعين في التعرف إلى المشتركات بين هذه الثقافات.
في حوار معه عن أهم الأسماء الأدبية العالمية التي التقاها في حياته أتى محمود درويش على اسمين، الأول هو الروائي غابرييل ماركيز، والثاني هو الشاعر رسول حمزاتوف؛ حيث أشاد بإبداع الرجلين، وبما عليه شخصيتاهما من ظرف ولطف وحسن معشر.
أول لقاء جمع درويش بماركيز تمّ في عاصمة المكسيك، حيث كان يقيم وفيها توفي، وبحضور السفير الفلسطيني يومها في المكسيك، حيث عاتبه ماركيز على تقصيره في تنظيم لقاءات تعرّف أدباء ومثقفي المكسيك بأدب فلسطين وقضيتها، ووصف درويش اللقاء بالجميل والمثمر، وكان فرصة للتعرف إلى شخصية ماركيز عن قرب.
بعد ذلك كلّف درويش، بوصفه رئيس تحرير مجلة «الكرمل»، الشاعرة السورية - المكسيكية إكرام أنطاكي بإجراء حوار مع ماركيز للمجلة، وبعد السلام والتحية، بادر ماركيز محاورته بالقول وهو يضحك: «ماذا يريد محمود درويش مني؟ إنه لا يبدو عربياً، إنه، لنقل، يبدو هنديّاً. لا بد أن محمود درويش هنديّ، أما أنتِ فكأنكِ البحر الأبيض المتوسط متنقّلاً».
عن رسول حمزاتوف قال درويش، إنه شاعر عذب وعميق وإنساني وصاحب نكتة، وهو الذي جعل مسقط رأسه، داغستان، اسماً معروفاً، فلا تذكر إلا ويذكر اسمه، ولا يذكر اسمه إلا وتذكر هي، بل إن شهرته هي السابقة، مشيراً إلى سِفْره الجميل «داغستان بلدي»، الذي يعدّ، عن حق، من أعذب الكتب.
قال درويش، إن آخر مرة التقى حمزاتوف كانت في المرحلة التي عرفت ب«البرسترويكا» التي قادها آخر زعيم سوفييتي غورباتشوف، وكان حمزاتوف يومها متشائماً من تبعات تلك السياسة، كأنه يقرأ المستقبل الذي فيه انهار الاتحاد السوفييتي.
وعلى صلة بذلك نُذكّر بوصف حمزاتوف لتلك السياسة: «إنهم بحجة تقليم الأظافر قطعوا الأصابع»!
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhnt6wn

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"