د. حسن مدن
حتى قرأ الرئيس جمال عبدالناصر أشعار صلاح جاهين المفعمة بالأمل في المستقبل، سأل محمد حسنين هيكل عمّن يكون كاتب هذه الأشعار، فأجابه بأنه أديب شاب في «روز اليوسف». بعد حين كان على والد جاهين أن يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية، بعد تعيينه رئيساً للمحكمة العليا في الجيزة، حين صافحه عبدالناصر همس أحد كبار موظفي الرئاسة في أذن الرئيس بأن هذا الرجل هو والد الشاعر صلاح جاهين، فعاد إلى مصافحته.
وروى الأب القاضي لابنه ما حدث له مع عبدالناصر، قائلاً له: «لقد قدّمتني إلى الكبار قبل أن يقدّمني أحد».
والحكايات المتصلة بصلاح جاهين والمملوءة بالمغازي والدلالات كثيرة، نتعرف من خلالها كيف كانت حياته وإبداعه في المرحلة المترعة بالأمل والحماس، وتُعرّفنا إليه وهو في حال الانكسار والخيبة، خاصة بعد هزيمة يونيو/ حزيران 1967، ثم وفاة عبدالناصر بعد ذلك بسنوات قليلة، كأن هذا الرحيل أطفأ ما تبقى في نفسه من بقايا أمل بعد خيبة الهزيمة.
يومها كتب قصيدة هي بمثابة رسالة إلى عبدالناصر بعد رحيله، لم تنشر إلا بعد نحو عام، فيها قال: «إلى الرئيس جمال عبد الناصر/ العنوان: قلب قلب قلب مصر/ في ذكرى يوم مولدك/ بنؤيدك/ يا أيها المصري العظيم/ وبنوعدك/ مهما غبت/ حنوجدك/ ومهما مت/ مصر ح ترجع/ مرة تانية/ تولدك».
حكايات أعادنا إليها اختيار اللجنة المنظمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، صلاح جاهين «شخصية المعرض» في دورته لهذا العام والمقامة حالياً، استمراراً لتقليد حميد دأبت عليه اللجنة المنظمة بأن تختار لكل دورة سنوية من دورات المعرض شخصية ثقافية أو فكرية مصرية تركت بصمتها الباقية في ثقافة مصر، والثقافة العربية عامة، لإعادة تسليط الضوء على عطائها وتجربتها في الحياة والإبداع، لا لكي تستعيدها الاجيال المخضرمة فحسب، وإنما لتتعرف إليها الأجيال الجديدة أيضاً، وليتنا نرى مثل هذا التقليد المصري في دورات معارض الكتب العربية الأخرى.
كرّست لجاهين فعاليات عدة في المعرض، بينها ندوة بعنوان «صلاح جاهين ودوره في شعر العامية»، وأخرى بعنوان «صلاح جاهين وفن الكاريكاتير»، وأمسية بعنوان «رباعيات صلاح جاهين»، ولقاء بعنوان «تجربتي مع صلاح جاهين»، يتحدث فيها الممثلان حسين فهمي وسهير المرشدي، والمخرج علي بدرخان.
وهكذا نحن إزاء بانوراما إبداعية لا تتكرر كثيراً في الشعر وفن الكاريكاتير والسينما، جسّدتها سيرة جاهين وإبداعه.
