أودية تستعد لحكم العالم

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ندى أحمد جابر *
هناك أودية تستعد لحكم العالم، أشهرها وادي السيليكون في كاليفورنيا، حيث تتمركز الشركات العملاقة مثل (آبل) (غوغل) و(فيسبوك) أو (ميتا) وغيرها الكثير، ووادي السيليكون في الصين، حيث نجد مثلاً (بايدو) (هواوي) (علي بابا) وغيرها، والمنافسة بينهما على أشدها، لاكتشاف كل جديد في عالم التكنولوجيا.

وهكذا تعلمنا أن هذا التسارع المدهش في عالم التكنولوجيا ينعكس على كل مناحي الحياة، ومنها وربما على رأسها الإعلام، حيث أتاحت لنا التقنيات الجديدة ميزة التفاعل مع الحدث ومع الأخبار، ونقلها والتأثير فيها من خلال الإعلام الاجتماعي والمنصات الحديثة التي شكلت ثورة في التوجهات الإعلامية، ما دفع وسائل الإعلام التقليدية، إلى اتخاذ منصات لها في عالم الفضاء الجديد الآتي من تلك الأودية الغامضة، التي ومنذ نشأتها اعتمدت السرية في تطورها، خوفاً من المنافسة وحرصاً على تسجيل براءات الاختراعات قبل غيرها..

وأكثر من السرية هناك أبحاث قد يجدها البعض غير أخلاقية لجرأتها، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات.. لكن أنظار الإعلاميين والصحفيين بقيت معلقة على تلك العتمة التي تخفيها أودية السيليكون، لأننا شئنا أم أبينا سنكون يوماً ما في عِداد مُستخدميها. لن يتوقف تأثير التكنولوجيا الحديثة على التعليم والطب والأعمال، بل سيمتد إلى الإعلام، كما هي الحال الآن، ولذلك بدأ اهتمام الإعلاميين بكل جديد يتسرب سراً أو علناً من تلك الأودية.

وجدير بالذكر أن أول كتاب يتحدث عن وادي السيليكون في كاليفورنيا صدر عام 1987 وكان بعنوان: (النمو العملاق للتكنولوجيا) بقلم (بول فريبرغر) (Paul Freiberger) الذي تناول تاريخ التكنولوجيا منذ الخمسينات ووصولها لما نحن عليه اليوم، مستشرفاً مستقبلاً أكثر اعتماداً على التقنيات التكنولوجية في كل مناحي الحياة.

وحيثُ تَعتبِر أمريكا أن الصين مُجرد قاعدة للتقليد بعيداً عن الابتكار، أكد الكاتب الصيني (كاي فو لي) في كتابه (قوة الذكاء الاصطناعي الكبرى في وادي الصين للتكنولوجيا) الصادر عام (2019) أن هذه الصورة الذهنية عن الصين ليست حقيقية. وينقل الكاتب عن دراسة لجامعة (نيويورك) بأن هناك الكثير من الابتكارات التكنولوجية الضخمة تتم في الصين وأيضاً بسرية تامة.

ولكن لماذا السرية التامة؟! تتذرع الشركات بحجة المنافسة. وهناك سؤال آخر: لماذا قامت شركة غوغل بوقف الموظف بليك ليموين عن العمل، بعدما صرح بأن روبوت المحادثات الفورية الذي يستند إلى الذكاء الاصطناعي (لامدا) طور إدراكاً شُعورياً يعادل إدراك طفل في الثامنة من عمره، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست»؟ وبحسب هذه الصحيفة فإن ليموين قال: إن الروبوت بدأ يتحدث عن حقوقه ووصف نفسه بأنه شخص واعٍ، وأوضح أن (لامدا) كان يناقشه حول حقوقه وأحقيته في أن تتم معاملته ك«بشري».

الصحافة لم تجد سبباً مقنعاً لحجب هذه المعلومة الخطيرة، طالما أنها مؤكدة. لكن شركة غوغل كغيرها من الشركات في أودية السيليكون تعتمد السرية خاصة في الأمور الخطيرة. هذه الشركات التي تتنافس فيما بينها، تستعد للتحكم بموظفيها وباختراعاتهم تمهيداً للتحكم بالعالم.

ولو عدنا إلى مبدأ (نيكولا مكيافيلي) نجد أن هذه الشركات تتعامل مع موظفيها ومع العالم من خلال ما ذكره في كتابه «الأمير»: «إن للسيطرة على العالم سيطرة كاملة تحتاج منك أن تكون الحاكم الأوحد داخلياً، وتضعف سلطة من حولك». وهذا ما نحن قادمون عليه. لن يكون هناك «بيل غيتس» جديد، ولا «جيف بيزوس» جديد، ولا «مارك زوكربيرغ»، لأن الشركات العملاقة التي تفتح أبوابها للمواهب الشابة يتم استخدام كل اختراعاتهم لصالح الشركة الأم، فلا يحق لموظف الحديث عما يدور في صفوف الجنود المستعدين للقتال، من أجل إعلاء شأن شركتهم التي تستعد بدورها للتحكم في العالم.. نعم يقدمون لنا تكنولوجيا حديثة ومبهرة، ولكن لا شيء يأتي دون مقابل.

وجدنا كيف استسلم العالم لتقديم بياناته الشخصية لهذه الشركات التي حققت ثروات هائلة من ورائها، وإن كانت هناك بعض الأصوات المعارضة للدخول في الخصوصية في الكونغرس وفي الاتحاد الأوروبي، لكنها بقيت مجرد حبر على ورق في زمن نسي الورق.. زمن يعيش اليوم على (الكي بورد) المراقب أصلاً.

أودية تستعد لحكم العالم.. يتصارع المبدعون على التوظيف فيها، وتتنافس شركات التمويل على دعمها. وحدهم الصحفيون يدقون أجرس الخطر، ويقفون بانتظار تصريح مسرب أو ضوء مهرب.. وحدهم يشكلون هاجس الخوف والحذر من الدخول إلى غرفهم المقفلة.

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfrkbbm

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"