عادي

العلم في قبضة التنافس التجاري

20:32 مساء
قراءة دقيقتين
كون متميز

هناك نشاطان أوليان متعارضان للعقل البشري، أحدهما تبسيط الأمور والعودة بها إلى أساسياتها، والآخر النظر من خلال الأساسيات إلى التضمينات الأوسع، ونعيش جميعاً هذا الصراع، ونجد أنفسنا متأملين له من وقت إلى آخر، وعلى شاطئ البحر على سبيل المثال، يغرق أغلبنا في حالة استغراق في التفكير حول عظمة العالم، حتى لو كان البحر، من الناحية الأساسية، مجرد حفرة ملأى بالماء. إن رؤية البحر باعتباره بسيطاً ومحدوداً، كما قد يفعل أحد المهندسين، يعد تحيزاً للطبيعة وتبسيطاً، بينما رؤيته كمصدر لاحتمالات لا نهائية أمر متطور وإنساني.

لكن التعارض كما يوضح روبرت لافلين في كتابه «كن متميزاً»، ترجمة عزت عامر ليس مجرد أمر يتعلق بالإدراك، فهو أيضاً أمر فيزيائي، والعالم الطبيعي متكيّف بواسطة المبادئ الأساسية والقوية للتنظيم النابع من هذه المبادئ، وهذه المبادئ سائدة، بحيث يمكنها أن تستمر ملزمة حتى لو تغيرت الأساسيات قليلاً، وتعكس وجهات النظر المتناقضة حول الطبيعة تعارضاً في الطبيعة نفسها التي تتكون في نفس الوقت من عناصر أولية ومستقرة، وبنى تنظيمية معقدة تتشكل منها، ليست مختلفة عن البحر.

ويحتوي الكتاب أحدث المكتشفات العلمية كجزء من نسيج الحياة اليومية، ويتسم المؤلف بجرأة على اختيار الصدق العلمي نابعة من خبراته ومعرفته الدقيقة والتجريبية، وينتقد عدداً من الممارسات السيئة في المجال العلمي، مثل تغليب الافتراضات المرغوب فيها، وخاصة في المجال التجاري، على النتائج التجريبية عالية المصداقية، وهذه الجرأة نفسها نجدها في الهجوم على الباحثين عن النتائج العملية في العلاجات الصحية مثلاً، دون بذل جهد كافٍ لمعرفة الأسباب العلمية لهذه النتائج.

إنه عالم ضد سيطرة منطق الربح في التطبيقات العلمية على حساب البحث العلمي الجاد، الذي قد لا يكون له عائد اقتصادي مباشر وفوري، وللكاتب قدرة ممتازة على شرح أعقد النظريات والمفاهيم العلمية واختيار أمثلة من أمور حياتية يألفها الجميع للكشف عن أحدث وأعمق الأفكار لدى العلماء الرواد، إنه يقدّم عالماً متميزاً ينسج من خلاله العلوم والتقنيات في سياق يجعلها في بساطة ما نتعامل معه كل يوم.

كشف الكاتب هنا للنظريات المضادة المعادية للعلم حتى في ما يعد في الوسط العلمي نفسه وفي الإعلام علماً حقيقياً يتفق مع النتائج التجريبية، حيث يوضح أن تلك النظريات نتاج بائس للتنافس التجاري يشوّه العلم ولا يدعمه، ولا يسعه سوى الكشف عن مأساة العلم، عندما يسيطر عليه تحالف بين المال والسلطة والعلماء الباحثين عن المزايا الشخصية.

ويستطرد لافلين في الكشف عن المصير السيئ للعلم، إذا وقع تحت تأثير عالمي التجارة والسياسة، حيث يرى مثلاً أن نظرية الأوتار الفائقة حول نشأة الكون ليس لديها أي دليل تجريبي يثبت وجود هذه الأوتار.

ولا يتردد لافلين عند شرح أدق المفاهيم العلمية في الاستعانة بقضايا تشريعية وقانونية وحكايات مستفيضة عن رحلات في الصحارى وحفلات ومؤتمرات تضج فيها حيوية وتناقضات ومشاحنات العلماء في كثير من الأفرع العلمية، ويستعين في تبسيطاته أيضاً بقصص الخيال العلمي ومشاهد من الأفلام السينمائية الشهيرة وأفلام الفيديو وعالم المال والتجارة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ynb5vee

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"