عادي
مساحته 27 مليون كلم مربع.. وليس له صاحب أو سند ملكية في الوثائق الدولية

القطب الشمالي.. أرض الرخاء والصراع الجديدة

01:14 صباحا
قراءة 8 دقائق

د. أيمن سمير

لأول مرة في التاريخ تشعر «الدببة القطبية» و«طيور البطريق» بالانزعاج وعدم الهدوء، بسبب وصول الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين إلى القطب الشمالي، وهو المكان الذي ظل واحة للحياة والسلام للدببة القطبية وطيور البطريق لقرون طويلة، فبناء القواعد العسكرية، وإرسال الجنود وتجهيز الصواريخ العابرة للقارات والحاملة للرؤوس النووية، شهود على تمدد واتساع التنافس بين القوى الكبرى من شرق وجنوب شرق آسيا، وخليج ملقا وبحر البلطيق والبحر الأسود إلى «القطب الشمالي»، الذي بات يعاني حشداً غير مسبوق لكافة أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة النووية والصواريخ الأسرع من الصوت.

يعود الصراع في هذه المنطقة الشاسعة التي تصل مساحتها ل27 مليون كلم إلى 3 أسباب رئيسية، الأول هو اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز والمعادن أسفل طبقات الجليد التي بدأت في الذوبان، نتيجة للتغيرات المناخية؛ حيث اختفى الجليد من نحو 2.5 مليون كلم، وكل التقديرات تقول: إن القطب الشمالي لديه 25% من الاحتياطات العالمية من النفط، وأنه يوفر 30% من حاجات العالم من الغاز عبر 61 حقل غاز منها 43 حقلاً لروسيا، و11 للولايات المتحدة، و6 لكندا، وواحد للنرويج، وبهذا من يسيطر على القطب الشمالي أو يحصل على الكعكة الأكبر، سوف يضمن «السيادة في مجال الطاقة» لسنوات قادمة

والسبب الثاني هو ظهور «خطوط ملاحية» قصيرة تربط شمال آسيا وأوربا بشمال أمريكا الشمالية تبدأ من كوريا الجنوبية والصين شرقاً حتى بحر الشمال والمحيط الأطلنطي غرباً، وتختصر تلك الخطوط الملاحية المسافة بين شرق وغرب الكرة الأرضية بأكثر من 13 يوماً، مقارنة بالخطوط الحالية، وفيما تدعو الولايات المتحدة إلى جعل هذا الطريق، والذي يبلغ طوله 3000 ميل، ويطلق عليه «طريق بحر الشمال»، وهو مفتوح أمام الملاحة العالمية مثل مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي تقول روسيا: إن هذا الطريق الملاحي هو «طريق وطني»، لأنه في التراب الروسي.

والسبب الثالث لهذا التنافس المحموم أن القطب الشمالي «ليس له صاحب»، فوثائق القانون الدولي لا تحدد بشكل قاطع وفاصل الدول التي ينبغي لها أن تهيمن على هذه المساحات الشاسعة، فحتى الدول البعيدة بما فيها الدول العربية تستطيع أن تذهب إلى هناك، وتحصل على ملايين الكيلومترات، فما أبعاد الصراع السياسي والاقتصادي والعسكري على القطب الشمالي؟ وهل ثقل العالم يتجه أقصى الشمال؟، وإلى أي مدى يمكن أن نرى مدناً وأعلاماً عربية في القطب الشمالي؟

إعلان حرب

قبل عام 2007 لم يكن أحد يلتفت كثيراً للأهمية السياسية والاقتصادية والعسكرية لهذه المنطقة، إلا من خلال الأبحاث العلمية والرحلات الاستكشافية، وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفييتي السابق اكتشف الغاز في «حقل كارا» عام 1962 ثم اكتشف الأمريكيون حقول البترول عام 1968 فإن عدم وجود تكنولوجيا لمعالجة أنظمة الاتصالات والطوارئ خلال ظروف الطقس الصعبة في ذلك الوقت حالت دون أن يكون هناك أي اهتمام كبير من الدول القريبة بالقطب الشمالي، وعمل الاتحاد السوفييتي على تأسيس قواعد عسكرية في بعض النقاط الشمالية خلال الحرب الباردة، لكن بانهيار الاتحاد السوفييتي تراجع الاهتمام الروسي والأمريكي بالمنطقة حتى عادت موسكو ورفعت العلم الروسي في عمق القطب الشمالي عام 2007، وهو ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو بأنه «إعلان حرب» من روسيا على الدول المتشاطئة للقطب الشمالي

جيش روسي متكامل

سبقت روسيا الجميع نحو القطب الشمالي، وأصبحت أكثر المستفيدين، بعد أن استخرجت منه ما يقارب 25 % من الغاز الروسي، و20 % من النفط من تلك المنطقة التي توفر لموسكو 11% من الدخل القومي، ونحو 22% من إجمالي الصادرات، كما أن القطب الشمالي يعطي موسكو 96% من البلاتين، و90% من النيكل والكوبالت، ونحو 60% من النحاس، وتقدر روسيا العائدات من الغاز والنفط والمعادن من القطب الشمالي بما يزيد على 30 تريليون دولار، لهذا قامت روسيا ببناء 50 كاسحة جليد عملاقة منها 11كاسحة تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى نشر الآلاف من نقاط التمركز والرادارات على طول الحدود الروسية من القطب الشمالي والتي تبلغ 3 آلاف ميل، كما نشرت موسكو القواعد العسكرية، ومنظومات الدفاع الجوي الحديثة «إس 400»، والصواريخ «فرط الصوت» والمحملة بالرؤوس النووية التكتيكية، إضافة إلى تشكيل وحدات عسكرية دائمة مثل مركز القيادة الاستراتيجية المشتركة في القطب الشمالي، وبداية من عام 2019 بدأت وحدات من القوات الجوية والبحرية العمل تحت إدارة هذا المركز، إلى جانب إقامة شبكة من رادارات الإنذار المبكر، وقذائف «بانتسير» المضادة للطائرات، وهي تجهيزات وصفتها هيئة الأركان الأمريكية المشتركة بأنها بمنزلة «جيش كامل الأركان» خاصة أن هذا الجيش الروسي مدعوم من أسطول بحر الشمال، ووحدات القوات الإكترونية الروسية.

ولشرعنة هذه السيطرة تقدمت موسكو عام 2015 بطلب إلى الأمم المتحدة لزيادة مساحة الجرف القاري الروسي في القطب الشمالي بمليون و191 ألف كلم، وفي 31 مارس/ آذار من نفس العام قدمت طلباً إضافياً إلى لجنة الأمم المتحدة لحيازة 705 آلاف كلم من قاع المحيط بالقرب من القطب الشمالي، لكن الهيئة الاستشارية للأمم المتحدة لم ترد على هذا الطلب حتى الآن.

استراتيجية أمريكية جديدة

يعود لمنحدرات ولاية ألاسكا، التي اشترتها واشنطن من القيصر الروسي عام 1867 ب 7.2 مليون دولار، الفضل في تحول الولايات المتحدة من مستورد للنفط إلى مصدر صافٍ للبترول منذ عام 2018؛ حيث أنتجت الولايات المتحدة 15 مليار برميل من النفط من تلك الولاية، وقامت بضم حقل خليج «برودو» عند اكتشافه عام 1968 نحو 13 مليار برميل من النفط، ووفق تقرير لوزارة الطاقة الأمريكيّة، فإن بعض حقول ألاسكا القريبة من القطب الشمالي تحتوي وحدها على 36 مليار برميل نفط، و3.8 تريليون سنتمتر مكعب من الغاز الطبيعي، وأن ولاية ألاسكا التي تعد أكبر ولاية من حيث المساحة، وتساوي مساحتها ضعف ولاية تكساس، تضم احتياطات مؤكدة تصل إلى 90 مليار برميل من البترول، وهي احتياطات تكفي لاستهلاك الولايات المتحدة لنحو 12 عاماً، لكن أكبر المكاسب من شراء هذه الولاية أن ألاسكا منحت واشنطن حدوداً مباشرة مع القطب الشمالي وجعلتها ضمن الدولة المتشاطئة للقطب الشمالي.

واعترفت واشنطن أنها تتأخر عن روسيا في السباق على القطب الشمالي؛ لذلك قامت بوضع رؤية عسكرية وسياسية واقتصادية متكاملة للقطب الشمالي، تقوم على مجموعة من الأدوات وهي:

  1.  إنشاء مقرات ووحدات قادرة على العمل في جميع مجالات الصراع المسلح، كما ترتكز هذه الاستراتيجية الجديدة على عزم الولايات المتحدة منافسة روسيا والصين في القطب الشمالي، كجزء من استراتيجية جديدة للتنمية في القطب الشمالي، وأن هذه الاستراتيجية تتعلق بالرد وتهيئة واشنطن للمنافسة بفاعلية وإدارة هذه التوترات بقوة مع روسيا والصين.
  2. البدء فوراً في بناء ثلاث كاسحات جليد جديدة، إضافة إلى اثنتين قيد الاستخدام حالياً، ووضعت من أجل ذلك نحو 36 مليار دولار لتحقيق هذه الأهداف.
  3. تعيين سفير لشؤون منطقة القطب الشمالي، وهو سفير متجول يعمل على تعزيز السياسة الأمريكية في المنطقة القطبية الشمالية، وتراهن واشنطن على فرض رؤيتها في مجلس القطب الشمالي الذي تأسس في عام 1996 ويضم اليوم 8 دول أعضاء، و12 دولة بصفة مراقب، لكن الدول الأعضاء يتم تقسيمها إلى 5 دول لها حدود مباشرة مع القطب الشمالي، وهي روسيا وكندا والولايات المتحدة والدانمارك والنرويج، و3 دول متداخلة وهي فنلندا والسويد وآيسلندا، إلا أن أخطر ما يواجه سفير أمريكا للقطب الشمالي هو نجاح روسيا في إدخال الصين إلى مجلس القطب الشمالي بصفة مراقب عام 2013 الذي يضم 11 دولة بصفة مراقب وهي كوريا الجنوبية واليابان والهند وسنغافورة وبريطانيا وفرنسا وبولندا وهولندا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا.
  4. تسعى الولايات المتحدة إلى شراء جزيرة جرينلاند الدانماركية التي تصل مساحتها إلى نحو مليوني كلم، ويسكنها 56 ألف نسمة فقط، وتتصل بشكل مباشر بالقطب الشمالي، وتحاول الصين مزاحمة الولايات المتحدة في جزيرة جرينلاند التي تتمتع بالحكم الذاتي عبر تقديم عروض لبناء مطارات ضخمة ورخيصة في الجزيرة، وأمام الولايات المتحدة مساران لهذه الجزيرة، الأول هو شراؤها بشكل نهائي كما عرض الرئيس دونالد ترامب عام 2019، والثاني هو تعزيز الحضور العسكري خاصة في الأجزاء الشمالية والغربية وقاعدة «ثول الجوية» الأمريكية؛ وذلك لحرمان الصين من الاقتراب من الحدود الشمالية والشمالية الغربية الأمريكية والكندية، كما أعادت واشنطن فتح سفارتها في «نوك» عاصمة جرينلاند بعد 67 عاماً من إغلاقها.
  5. أرسلت الولايات المتحدة 28 ألف جندي أمريكي للحدود مع القطب الشمالي وغرب آلاسكا، وقامت بمناورات عسكرية بشكل دوري مع حلفاء أمريكا في القطب الشمالي خاصة الجيش النرويجي، كما دعت القوات البحرية الأمريكية الخبراء إلى اختراع أنظمة أسلحة مقاومة للمناخ القاسي، وتستخدم القوات الأمريكية المسيّرات تحت الماء، لمعرفة تأثير درجات الحرارة في العمليات العسكرية، ناهيك عن أن أكبر قاعدة أمريكية في العالم تضم طائرات إف 35 الحديثة توجد في ولاية ألاسكا بالقرب من القطب الشمالي.

طريق حرير قطبي

هناك مصالح للصين في القطب الشمالي على مستويين، الأول هو أن ازدهار طريق الملاحة الشمالي سوف يكون بمنزلة طريق حرير قطبي جديد يسهل وصول البضائع الصينية لأكبر شريك تجاري للصين وهو الاتحاد الأوربي، المستوى الثاني للمصالح الصينية يتعلق باعتبار الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم، ولهذا تحتاج بكين إلى الغاز والنفط الموجودين في القطب الشمالي.

وترتكز رؤية الصين على أن القطب الشمالي يعامل في القانون الدولي معاملة البحار المفتوحة وفق اتفاقية الأمم المتحدة لتقسيم أعالي البحار التي تم التوصل إليها عام 1982، ودخلت حيز التنفيذ عام 1994، وتقول إن لكل دولة فقط 200 ميل بحري من شواطئها، وأي مناطق أبعد من ال200 ميل بحري هي مياه دولية أو مناطق مفتوحة ليس لها صاحب، ومن هنا تقول الصين على الرغم من بعدها الجغرافي عن القطب الشمالي لكن لها 25 % من احتياطات القطب الشمالي في كل المناطق التي تبعد عن 200 ميل بحري من سواحل الدول المتشاطئة للقطب الشمالي باعتبار الصين تمثل 25 % من سكان العالم، ومن هذا المنطلق أرسلت الصين واحدة من أكبر كاسحات الجليد في العالم، وتسمى «سيو إيلون»، أو «التنين الجليدي»، والتي جرى تصنيعها في أوكرانيا في عهد الاتحاد السوفييتي السابق، كما بدأت بالفعل شركات صينية في التنقيب عن الغاز والنفط في القطب الشمالي.

الدول المتشاطئة

بعيداً عن الدول الثلاث الكبار في العالم تحاول دول مثل كندا التي لها ثاني أكبر حدود مع القطب الشمالي أن تعزز حضورها في المنطقة عبر شراء منظومات دفاع جوي من طراز باتريوت من الولايات المتحدة، ثم تعاقدت على شراء 85 طائرة من طراز «إف 35» الأمريكية، وقامت بتخصيص 3.8 مليار دولار كندي لبناء ثماني كاسحات جليد حربية، وإقامة ميناء بحري تجاري، كما تطالب أوتوا من الأمم المتحدة بضم مساحة بنحو 1.2 مليون كيلومتر مربع من القطب الشمالي إلى أراضيها، لكن تظل هناك خلافات حدودية بين كندا والدنمارك.

أين العرب؟

وفق نصوص اتفاقية الأمم المتحدة لأعالي البحار عام 1982 يحق للدول العربية سواء بشكل جماعي أو كل دولة عربية بشكل منفرد أن تطالب بالانضمام إلى مجلس القطب الشمالي بصفة مراقب، كما يحق لها إرسال بعثات استكشاف عن النفط والغاز والمعادن؛ بل ورفع الأعلام العربية وبناء مدن عربية متكاملة في المناطق التي تقع خارج نطاق 200 ميل بحري، وهي «المياه الإقليمية» أو «المنطقة الاقتصادية الخاصة» للدول المتشاطئة، ويمكن للدول العربية أن تجني مكاسب بتريليونات الدولارات من تلك المنطقة، خاصة أن الدول العربية لها علاقات طيبة مع جميع الدول المتشاطئة أو المتداخلة للقطب الشمالي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yr3wmrr4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"