قصة عزل رئيس فقير

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

من سوء حظ رئيس البيرو، بيدرو كاستيلو الذي أطيح به في «انقلاب غامض»، بعد 17 شهراً على انتخابه رئيساً لبلاده في أواخر يوليو/تموز 2021، أنه وقع بين أيدي تحالف «الأوليغارشيا» من أصحاب المال والأعمال والسلطة العسكرية التي اعتادت السيطرة على مقدرات البلاد، وتحديد شكل النظام السياسي، بما يضمن لها القوة والثروة والسلطة.

هذا التحالف كان يلعب دائماً دور المهيمن على الحياة السياسية، يأتي بمن يريد، ويتخلص ممن يريد، إما بالاغتيال، وإما بالعزل، وإما بانقلاب عسكري.

في السابع من ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلن برلمان البيرو عزل الرئيس كاستيلو الذي ينتمي إلى «حزب بيرو الحرة» اليساري، ومن ثم اعتقاله بتهمة «التمرد والتآمر»، فوقعت البلاد منذ ذلك التاريخ، وحتى الآن في أزمة سياسية وأمنية أدت إلى تظاهرات ومواجهات دامية في معظم أرجاء البلاد، بين قوات الشرطة، ومؤيدي الرئيس المعزول الذين يطالبون بعودته.

الرئيس كاستيلو أكد خلال محاكمته: «لن أتخلى عن القضية الشعبية التي أوصلتني إلى هنا». أضاف: «لست لصاً أو مغتصباً أو فاسداً أو بلطجياً». لكنه لم يذكر أن السبب الرئيسي للإطاحة به أنه لا ينتمي إلى طبقة «الأوليغارشيا» التي تحكم البلاد وترفض أن يأتي رئيس يساري ينتمي إلى الفقراء والمعوزين، ولا يشارك في الفساد والصفقات.

كاستيلو جاء إلى الرئاسة في انتخابات ديمقراطية، لكن النخب السياسية والمالية النافذة توجست من انتخابه، ولم تمنحه فرصة لإثبات الذات، خصوصاً أن الأحزاب اليمينية تسيطر على مجلس النواب، ولديها القدرة على إطاحة أي مسؤول مهما علا شأنه، من خلال ما يملكه من صلاحيات واسعة. ديناصورات المال والسياسة كانوا يعيبون على كاستيلو أنه مجرد ريفي ومدرّس، من عائلة فقيرة من المزارعين البسطاء الذين حملته أصواتهم إلى سدة الرئاسة، خصوصاً أن رسالته الثابتة في كل خطاباته تقريباً أن «شعب البيرو لن يبقى فقيراً بينما بلاده غنية».

مثله مثل رئيس الأورغواي السابق البرتو موخيكا الذي عانى في حياته الفقر، وانتقل من بائع زهور إلى ثائر في منظمة «توباماروس» اليسارية، إلى رئيس دولة، عاش حياة تقشف، ورفض الإقامة في قصر الرئاسة، كما رفض الحراسة، وتبرع بتسعين في المئة من راتبه للجمعيات الخيرية، وأقام في مزرعة صغيرة تملكها زوجته، واحتفظ بسيارة صغيرة صنعت عام 1987.. ومثله أيضاً رئيس البرازيل الحالي «لولا دا سيلفا» الذي أعيد انتخابه مؤخراً، وينتمي أيضاً لعائلة فقيرة، وعمل ماسحاً للأحذية قبل أن يصبح نقابياً.

يتحدث كاستيلو عن نفسه فيقول:«كان إنجازاً بالنسبة لي أن أنهي دراستي، وهو ما فعلته بفضل مساعدة والدي وأخوتي وأخواتي. كنت أفعل ما في وسعي لكسب لقمة العيش. عملت في حقول القهوة، وجئت إلى ليما لبيع الصحف والآيس كريم، وتنظيف المراحيض في الفنادق.. رأيت الواقع القاسي لعمال الريف والمدينة».

هكذا رئيس لا يمكن أن يصمد في مواجهة حيتان المال والسياسة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/488ysare

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"