عادي
باوليني فنان إيطالي من عصر الباروك

«سيدة وفرجار».. ألف قصة وراء الوجه

23:06 مساء
قراءة 3 دقائق
بيترو باوليني

الشارقة: عثمان حسن
بيترو باوليني، (3 يونيو 1603 - 12 إبريل 1681) رسام إيطالي من عصر الباروك، عمل في روما والبندقية وأخيراً موطنه الأصلي لوكا، وكان من أتباع كارافاجيو الذي استجاب لعمله بطريقة شخصية للغاية. أسس أكاديمية في مسقط رأسه. ولد بيترو باوليني في لوكا، وهو الابن الأصغر لتوماسو باوليني وجينيفرا رافاييلي. كانت عائلته ميسورة الحال، لأن والدته كانت من سلالة عائلة لوشيز.

أرسله والده توماسو باوليني إلى روما لينخرط في ورشة فنية بإشراف أنجيلو كاروسيلي عندما كان يبلغ من العمر 16 عاماً. كان كاروسيلي من أتباع ميكيلانجلو ميريزي الملقب ب«كارافاجيو»، في حين كانت العلاقة بين كاروسيلي وباوليني تقتصر فقط على علاقة المعلم والمتدرب، كان كاروسيلي غائباً باستمرار عن روما من يونيو 1616 حتى فبراير1623؛ لذلك كان من المستحيل أن يصبح كاروسيلي أستاذاً لباوليني، الذي استقر في لوكا حتى عام 1626، وفي ورشة عمل كاروسيلي، أتيحت الفرصة لبيترو باوليني لدراسة التيارات الفنية بما فيها من تقنيات، وهو ما انعكس في أعماله التي تميزت بالمرونة حينذاك، في روما، تأثر باوليني بالجيل الثاني من الرسامين الطبيعيين.

1

بين 1629-1631 عاش باوليني مدة عامين في البندقية، فأتيحت له فرصة التعرف إلى أعمال باولو فيرونيزي وتينتوريتو. عاد إلى لوكا، وأنشأ استوديو خاصاً به، وعاش بقية حياته هناك، فتخصص في رسم الموضوعات الرمزية والواقعية، وهو الذي وجد تقبلاً من الجمهور والوسط الفني في حينه.

نحو عام 1652 أسس باوليني «أكاديمية الرسم في لوكا»، فساعد في تدريب العديد من الرسامين، وساهمت الأكاديمية في توفير بيئة فنية مفعمة بالحيوية بشكل خاص في لوكا في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ومن رموزها: جيرولامو سكاليا، وسيمون ديل تينتور، وفرانشيسكو، وكاسيانو، وأنطونيو فرانشي، وجيوفاني كولي، وفيليبو غيراردي.

تكشف سيرته الفنية، أنه كان يمتلك الكثير من العملات المعدنية، والقوالب الجصية المأخوذة من النماذج القديمة، إضافة إلى مجموعة من القطع و«الأنتيكات» التي تشير إلى عصور قديمة وحديثة «في عصره» والتي كان يحرص على استخدامها كنماذج ودعائم في الأكاديمية، وقد تخلى باوليني في وقت لاحق عن الرسم بالكامل، من أجل تكريس نفسه للتدريس، وتوفي في لوكا عام 1681.

كانت الموضوعات الرئيسية لأعماله، هي الموضوعات التي روج لها ميكلانجيو في الرسم الروماني مطلع القرن السابع عشر. وتضمنت رسومات لأشخاص من الطبقة الدنيا كالمحتالين، والدجالين، والباعة المتجولين، والموسيقيين. وفي العادة كان باوليني يهتم برسم شخصيات قليلة في المشهد التصويري كاثنين أو ثلاثة على الأكثر، وكان مرناً في تقديم أشكال وتعبيرات غامضة، لكن بدقة حاذقة في عرض التفاصيل والمواد والأشياء التي تؤثث اللوحة خاصة الآلات الموسيقية.

تعد لوحة «سيدة وفرجار» أو «سيدة وبوصلة» التي أتمها بيترو باوليني في عام 1630، خير مثال على أعماله التي تمزج بين (الواقعي، والمثالي أو المجازي) ومعروف أن المدرسة المثالية، ترى الأشياء بصورة مخالفة لماهيتها الطبيعية أو الحقيقية في الواقع، على عكس الواقعية التي تميل إلى تفسير الأشياء ورؤيتها بواقعية صرفة.

تصور اللوحة امرأة شابة تحمل بوصلة في يدها اليمنى، ويبدو أنها ترسم تصميمات هندسية لقوس على قطعة من الورق تحملها بيدها اليسرى. في ذلك الزمن لم يكن مألوفاً إظهار امرأة تعمل في التصميم المعماري. من ناحية أخرى، تظهر في المشهد ملامح طبيعية للوجه وتفاصيل الجسد في موديل ترتدي لباساً معاصراً.

مرة أخرى، فملامح وجه المرأة وشكل جسدها، يظهر بصورة واقعية أو طبيعية، موشاة بعناصر «مجازية»، وشكلها يوحي بأنها كانت من معارف الفنان؛ حيث حرص باوليني على تزيين ردائها المخملي بشريط أحمر على كل كتف، فيظهر الشريط من الجانبين مربوطاً بسلسلة من الخرزات. هذا المزيج الخاص بين الواقعية والمثالية، هو سمة مميزة للوحات باوليني في تعامله مع الرجل كذلك، كما في لوحة «الرجل يحمل قناعا» بإيحاءاتها الرمزية، و«شاب يحمل فراشة» في سان فرانسيسكو، وهذا مثال آخر على كيفية دمج باوليني بين الواقعية من جهة والرمزية باستعاراتها الغامضة وما فيها من تجريد قابل للقراءة في ضوء مفاهيم العقدين الثالث والرابع من القرن ال 17.

تمتاز لوحة «سيدة وفرجار» بجودتها التصويرية التي أظهرت عند الفنان قدرة بارعة في التكوين والتركيب المتناسق، ولعلها كانت واحدة من أبرز أعمال باوليني في الفترة ما بين (1625-1635) هذه الفترة التي تمثل أهم وأروع مرحلة في مسيرة الرسام الطويلة والناجحة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4pxy6fns

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"