عادي

لماذا تخلت الفلبين عن حيادها؟

23:18 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب: بنيمين زرزور

التاريخ يعيد نفسه بما تمليه ضرورات الحاضر. والخضوع للضرورة هو الحرية بعينها. فهل تحتضن الفلبين القوات الأمريكية من جديد خضوعاً للضرورة ورهاناً على المصالح العليا للدولة، أم ينطبق عليها القول المأثور«مكره أخاك لا بطل».

تفرز المواجهة المفترضة بين الولايات المتحدة والصين، إرهاصات لا تترك خياراً لعدد من دول شرق آسيا في الوقوف على الحياد حيث تجد نفسها مضطرة للاختيار بين دعم الصين حرصاً على التماسك بين دول المنطقة وفيه مصلحة مشتركة، أو مساندة الولايات المتحدة تحسباً للوقوع في براثن التوسع الصيني المبهم.

قبل 30 عاماً نجح برلمان الفلبين في إنهاء الوجود العسكري الأمريكي الدائم في الفلبين حيث كانت الولايات المتحدة تدير قاعدتين رئيسيتين، رأت غالبية الفلبينيين فيهما إرثاً من الاستعمار الأمريكي، وأرادوا تأكيد استقلالهم.

واليوم تدعو الفلبين الولايات المتحدة إلى زيادة وجودها العسكري في البلاد مرة أخرى - ما يتيح لها الوصول إلى أربع قواعد عسكرية جديدة وسط التوترات المتزايدة مع الصين.

يقول كينيث فولفي مونتوجو، الخبير في السياسة الفلبينية والمحاضر الأول في جامعة سانتا كلارا: «لا تستطيع الفلبين وحدها الوقوف في وجه الصين، لذا فهي بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة».

وسوف يسمح تسريع اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز للولايات المتحدة بالوصول إلى أربع قواعد عسكرية أخرى في الفلبين، بما في ذلك مواقع في بالاوان وبامبانجا ونويفا إيسيجا وفيساياس ومينداناو.

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان أصدرته في الأول من فبراير/ شباط إن زيادة الوصول إلى المزيد من القواعد «ستجعل تحالفنا أقوى وأكثر مرونة، وتسرع من تحديث قدراتنا العسكرية المشتركة». ويوجد حالياً ما يقرب من 500 جندي أمريكي في الفلبين.

«صفقة كبيرة»

وقالت الولايات المتحدة أيضاً إن توسيع قاعدة الوصول سوف يضمن «تقديم دعم أسرع في مواجهة الكوارث الإنسانية والمتعلقة بالمناخ في الفلبين». في حين أن العديد من الفلبينيين قد يرحبون بالوجود الأمريكي كوسيلة استراتيجية لمواجهة وردع النفوذ والتوغلات الصينية، لا يزال آخرون حذرين من الآثار الاجتماعية لمنح الجيش الأمريكي الكثير من النفوذ على أراضيهم.

وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في مؤتمر صحفي إن التطور «صفقة كبيرة» لكنه شدد على أن الصفقة لا تعني أن الولايات المتحدة تعيد إنشاء قواعد أمريكية دائمة في الأرخبيل. وكانت واشنطن قد أنهت رسمياً وجودها العسكري الذي دام 94 عاماً في المنطقة في أوائل التسعينات، وأغلقت قاعدة كلارك الجوية وقاعدة خليج سوبيك البحرية بعد أن رفض مجلس الشيوخ الفلبيني معاهدة لتمديد الوجود العسكري الأمريكي مقابل المساعدات.

وتأتي الاتفاقية أيضاً بعد انتخابات العام الماضي التي أسفرت عن وصول قيادة جديدة إلى الفلبين وساعدت في ترسيخ التحول الجذري في السياسة الخارجية للرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، كما تقول ديان ديزييرتو، أستاذة القانون والشؤون العالمية في جامعة نوتردام.

وكان سلفه رودريغو دوتيرتي أكثر معاداة للولايات المتحدة وميالاً لتأييد الصين ؛ وقد هدد دوتيرتي سابقاً بطرد الجيش الأمريكي من البلاد، لكنه غيّر موقفه مقابل وعود بالحصول على لقاحات لمواجهة جائحة كورونا.

وركزت الولايات المتحدة على احتواء توسع الصين وحماية تايوان - لذا من المرجح أن يرسل وجودها المتزايد في آسيا إشارة إلى القوة الإقليمية العظمى. ويعتقد المراقبون أنه بسبب الوجود الأمريكي، يجب أن تكون الصين أكثر حساسية بكثير فيما يتعلق بالمكان الذي تتقدم فيه حالياً، لأنه من الواضح أن الحرب في حال نشوبها ستكون حرباً بالوكالة، أي أن العسكر الصيني والأمريكي لن يشاركوا في صراع ميداني مباشر.

موقع استراتيجي

وتقع الفلبين من الناحية الجغرافية في منطقة استراتيجية رئيسية للولايات المتحدة، وتؤمن موقعاً يمنح الولايات المتحدة نوعاً من القدرة الهجومية لا تستطيع قاعدتها في أوكيناوا أو في تايلاند تأمينه. كما أن وصولها إلى الممرات المائية الرئيسية في بحر الصين الجنوبي يتيح المرونة للقوات الأمريكية فضلاً عن تعدد ميادين الاشتباك، ليس فقط في شمال شرق آسيا، ولكن أيضاً في جنوب شرق آسيا.

وتأتي اتفاقية الولايات المتحدة مع الفلبين في أعقاب الالتزامات الأخيرة التي أبرمتها واشنطن مع الدول الآسيوية. ففي 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستعزز تحالفها مع اليابان لمواجهة النفوذ الصيني والكوري الشمالي. وأشار الخبراء إلى أن الاتفاق بين الولايات المتحدة والفلبين سيفيد أيضاً أمن اليابان وكوريا الجنوبية من خلال ردع العدوان الصيني في المنطقة.

لكن الصين ليست سعيدة بالصفقة بين الولايات المتحدة والفلبين، وتنتقدها وتصفها بأنها «أنانية».

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ للصحفيين في إفادة صحفية يومية يوم الخميس قبل الماضي: «تتمسك الولايات المتحدة بعقلية الحرب الباردة، عقلية المحصل الصفري، وتعزز الانتشار العسكري في المنطقة. هذا عمل يصعد التوترات ويعرض السلام والاستقرار الإقليميين للخطر».

ومن المؤكد أن التوتر الإقليمي الأكثر عرضة لخطر التصعيد هو الوضع في تايوان، حيث يشير الخبراء إلى أن النزاع المسلح على الجزيرة مرجح في المستقبل القريب.

لكن الفلبينيين لايزالون غير مجمعين على الترحيب بالوجود الأمريكي. فبعد الإعلان عن الاتفاقية الجديدة، تجمع المتظاهرون خارج مقر الجيش الفلبيني، معربين عن قلقهم من أن هذه الخطوة تضيع الفلبين بين قوتين عظميين متنازعتين.

ولا يحتاج الفلبينيون إلى قوات ومنشآت أمريكية إضافية في البلاد تؤجج التوترات في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان. وقال تيدي كاسينيو، العضو السابق في مجلس النواب الفلبيني «إن نشر منشآت وقوات إضافية في الفلبين سيؤدي إلى جر البلاد إلى الصراع بين الصين والولايات المتحدة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdew9tu6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"