في ذكرى انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

مرت أكثر من ستّ سنوات على انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي، بعد عقود من الغياب الناجم عن الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية في منتصف الثمانينيت من القرن الماضي، على إثر الخطأ التاريخي الجسيم الذي سقطت فيه الهيئة بقبولها عضوية “البوليساريو”، رغم عدم توفره على مقومات الدولة؛ كما هو متعارف عليه في القانون والعلاقات الدوليين.

شكّل الانضمام بداية بالنسبة للمغرب، راهن من خلاله على تحقيق مجموعة من الأهداف والرهانات، وعلى رأسها تمتين علاقاته الإفريقية، وتجاوز تبعات سياسة المقعد الشاغر، وبخاصة وأن ظرفية الانضمام، تختلف عن تلك التي واكبت الانسحاب، بعدما تجاوز معها العالم ظروف الانقسامات الإيديولوجية، فيما شهدت القارة الإفريقية بروز نخب سياسية واعدة، وبتطلعات جديدة نحو المستقبل، تعي معها حجم الإشكاليات الحقيقية التي تواجه إفريقيا، فيما لم يمنع خروج المغرب من مؤسسات المنظمة من تعزيز علاقاته مع محيطه الإفريقي على عدة مستويات اقتصادية وسياسية واجتماعية.

وهكذا، حرص المغرب على الدفع بعجلة التعاون والتنسيق مع محيطه الإفريقي، في إطار تبادل الخبرات والتجارب، وبخاصة فيما يتعلق بقضايا الهجرة التي راكم بصددها تجربة مهمة، ومكافحة الإرهاب الذي ما زال يتهدّد عدداً من بلدان القارة، وبخاصة في منطقة الساحل والصحراء، بالإضافة إلى الانخراط في تعزيز السلم والأمن داخل إفريقيا.

وفي عام 2022 صادق المغرب، بمقر الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، على مجموعة من المعاهدات المهمة، التي تترجم التوجهات الإفريقية للمغرب والرامية إلى إرساء تعاون متوازن في سياق جنوب – جنوب، ونذكر في هذا الإطار اتفاقية إحداث منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، وأخرى تتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، واتفاقية تتّصل بحظر استيراد النفايات الخطرة لإفريقيا، وكذا مراقبة التحركات العابرة للحدود، وتدبير النفايات السامة، وغيرها من الاتفاقات الأخرى التي تهم التعاون الإفريقي.

ومن الرهانات الأخرى التي حرص المغرب على كسبها، هناك التموقع داخل الأجهزة التقريرية للاتحاد، كمجلس الأمن والسلم الإفريقي، وبرلمان عموم إفريقيا، والجمعية العامة للاتحاد الإفريقي، ومفوضية الاتحاد الإفريقي، وغيرها من الأجهزة والهيئات الاقتصادية والمالية، والآليات واللجان المتخصصة، كاللجنة التقنية المتخصصة في المالية والشؤون النقدية والتخطيط الاقتصادي والتكامل، واللجنة التقنية الخاصة بالتجارة والصناعة والموارد المعدنية في الاتحاد الإفريقي، واللجنة التقنية المختصة حول الوظيفة العمومية والجماعات الترابية والتنمية الحضرية واللامركزية.. والمساهمة في إرساء سياسات إفريقية تخدم المصالح الحقيقية لدول القارة وشعوبها، ارتباطا بقضايا التنمية وتعزيز السلم، ومكافحة المخاطر والتهديدات العابرة للحدود، وحماية البيئة، وضمان الأمن الغذائي، وتعزيز التضامن بين دول القارة، علاوة على ترسيخ علاقات متوازنة مع عدد من القوى الدولية والإقليمية، كالاتحاد الأوروبي والدول العظمى، بعيداً عن لغة الهيمنة والاستغلال التي تقودها مجموعة من القوى الكبرى.

وقد مثلت جائحة كورونا محطة عبّر من خلالها المغرب عن حس تضامني مع دول القارة، وذلك بتوجيه عدد من المساعدات الإنسانية والطبية إلى عدد من الدول الإفريقية. وعلاوة على ذلك، استطاع المغرب أن يطور شراكاته الاقتصادية مع عدد من البلدان الإفريقية في إطار منطق رابح - رابح، وهو ما يعكسه حجم الاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن، فقد ورد في دراسة لمديرية الدراسات والتوقعات المالية، أن المبادلات التجارية للمغرب مع الدول الإفريقية شهدت نمواً ملحوظاً بنسبة 9.5 في المئة كمتوسط سنوي خلال الفترة 2000-2019، في حين انتقلت الاستثمارات المغربية في إفريقيا من 907 ملايين درهم في 2007 إلى 5.4 مليار درهم في 2019، ويعرف مشروع أنبوب الغاز الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب تطورات ملحوظة، ينتظر أن ينعكس أنجازه بشكل إيجابي على اقتصاد مجموعة من الدول الإفريقية.

وفيما يتعلق بقضية الصحراء، فقد مكّن الانضمام المغرب من المرافعة بشأن قضيته الحيوية، وتصحيح مجموعة من المغالطات، ما مكن من تحييد الاتحاد من هذه القضية التي تستأثر بتدبيرها الأمم المتحدة، ومجلس الأمن على وجه الخصوص باعتباره المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، فيما تزايدت الثقة في الطرح المغربي، وفي مشروع الحكم الذاتي كمدخل واقعي ومستدام لحل هذا النزاع المفتعل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p99a6e2

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"