مفارقات إعلامية سياسية

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

أبهذه السهولة فقد الإعلام الغربي ضوابطه المهنية وتوازنه؟ طوال أكثر من قرن وهو ينظر إلى صحافة بلدان العالم الثالث مثلما ينظر المعلّم المتعالي إلى دفاتر تمارين التلاميذ، شاهراً سيف القلم الأحمر. يبدو أن أخبار الجبهات في أوكرانيا تتطاير من حروفها الغربان، فتشتّت تركيز الإعلاميين على صناعة الإعلام الجاد. أما الأحوال الاقتصادية والمعيشية الأوروبية، فالعثرات بالعشرات، والمثل الفرنسي يوصي بعدم الركض وراء مئة أرنب في آن. الاقتصادات الأوروبية تترنّح، أثقل الإنتاج الحربي ممشاها.

هكذا انفلتت أعصاب الكثير من وسائط الإعلام الغربية. مجلة «الإكسبريس» الفرنسية، بصراحة، أبدعت في ضرب عرض الحائط بالتحرير الإعلامي، والخروج إلى فن بيان الخيال العلمي الشعري. تكفي هذه التحفة قبل أيام: «لو انتصر بوتين في حرب أوكرانيا لباع مئات ألوف الأطفال الأوكرانيين في بلدان العالم». هذا يعني أن دول العالم، التي لم تحددها المجلة، أسواق مفتوحة لتجارة الصغار الأوكرانيين. تخيل المزادات في سوق «النخاسة» البشرية، مع الاعتذار لكرامة الإنسان.

لكن إذا كانت العبارة صادرة عن مطبوعة طالما حظيت باحترام جمهورها، فماذا عن وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، الذي قال بُعيد 24-2-2022، بدء «العملية الروسية الخاصة» في أوكرانيا: «سأجعل الاقتصاد الروسي يجثو على ركبتيه»؟ إلى اليوم والكثيرون من خبراء الاقتصاد والمثقفين الفرنسيين يتندرون بمقولته، لكون الوقائع التالية أثبتت العكس تماماً. هذا أيضاً انفلات أعصاب في نوبة انفعال. أليس من الحكمة والعقل أن يكون في وزارة الاقتصاد الفرنسي أشخاص لهم إلمام بالاقتصاد، لتلقين الوزير ما يجب قوله، هذا إذا لم يستشرفوا أن الروبل سينطلق كالصاروخ وسيغدو بعد انتكاساته وتردي وضعه في الماضي، تقدّر قيمته بالذهب والطاقة؟

لكن هذه الكوميديا في التحرير الإعلامي وفلتات اللسان في منتهاها، لا يكتمل جمالها إلا بواسطة العقد. فخامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونخ الألمانية، أتى بما لم تستطعه الأوائل، قال: «نريد هزيمة روسيا، ولا نريد سحقها». لحسن الطالع تحلى بالعفو عند المقدرة، وقنع بهزيمتها، وهي أمر هيّن: عدد أصابع اليد من الجنود، يقودهم زيلنسكي، يدخلون الكرملين ويجري ما جرى في قصر إمبراطور اليابان في الحرب العالمية الثانية. هانت، فقد تنازلوا عن السحق. مِنّة ممنونة.

لزوم ما يلزم: النتيجة التحكيمية: بذمّتك، هل لتلك الشواهد علاقة، ولو بنسبة قطرة من البحر، بالسياسة والسياسيين والعلوم السياسية أو حتى بالإعلام؟ أم تلك كوميديا في كوميديا؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ydeksbee

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"