التطور الرقمي وحقوق المرأة

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

إن تحقيق المساواة بين الجنسين، هو تجسيد عملي لاحترام حقوق الإنسان، وعامل داعم لتحقيق التنمية الإنسانية والمستدامة. ويعدّ اتخاذ تدابير حقيقية وفعّالة على طريق تمكين المرأة ودعم مكانتها داخل المجتمع، مدخلاً مهماً لمعالجة إشكالات ومعضلات ثقافية واجتماعية واقتصادية.. مختلفة.

وإذا كان هذا التمكين يجد أساسه ضمن مقتضيات الدساتير الوطنية والمواثيق والاتفاقيات الدولية، التي تقوم في مجملها على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وولوج الوظائف في القطاعين العام والخاص، فإن واقع الممارسة على امتداد مناطق مختلفة من العالم بشكل عام، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار، وكذا صورتها داخل المجتمع، ما زالت تعتريها الكثير من المشكلات، بصورة لا يعكس كفاءتها وإمكاناتها.

فتح التطور التكنولوجي إمكانات كبيرة أمام الأشخاص من أجل التواصل والتعبير والمرافعة والتعلّم، وتعزيز الكفاءات بشكل عام، كما أتاحت هذه التقنيات المتطورة أيضاً، فرصاً لتوظيفها، من أجل تعزيز مكانة المرأة وتمكينها، على عدة مستويات، سواء تعلق الأمر منها بالولوج إلى التكنولوجيا الرقمية، والاستفادة مما تزخر به من معلومات وإمكانات لأجل التعلم واكتساب المعارف، أو في ما يتعلق بتطوير مهارات وكفاءات وخبرات النساء في المجال التكنولوجي، ليكنّ قادرات على توظيف ذلك في تعزيز حضورهن ومكانتهن داخل المجتمع، وتشجيعهن على قيادة مشاريع ومبادرات في مجال التكنولوجيا والمعلومات.

وينسجم هذا التوجه مع مضامين الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة الذي يؤكد المساواة بين الجنسين، من خلال العمل على القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء والفتيات، ومحاربة العنف الذي يمكن أن يستهدفهن، والقضاء على كل الممارسات الضارة في هذا الخصوص، وكذلك دعم مشاركتهن في عملية صنع القرارات في المجالات السياسية والاقتصادية والعامة، في إطار من تكافؤ الفرص، إضافة إلى تعزيز ولوجهن إلى مختلف الخدمات الصحية والاجتماعية، وتطوير البنى التحتية ذات الصلة بالتكنولوجيا والمعلومات والاتصالات، وتوظيف هذه الأخيرة كسبيل لتمكينهن وتسليحهن بمختلف المهارات، وإرساء سياسات عمومية، وسن تشريعات ترسخ المساواة بين الجنسين، وتوفير المناخ الكفيل بالحد من مخاطر هذه التكنولوجيا على مستوى تكريس التمييز ضد النساء والفتيات داخل المجتمع.

وهكذا، يمكن لتوظيف التكنولوجيا الحديثة بقدر من الحكامة أن يسرع ويقوي من الجهود الرامية إلى تمكين المرأة والفتيات. وتزداد أهمية هذا الرهان، من جهة أولى، بالنظر للفرص التي تزخر بها هذه التقنيات على مستوى المساهمة في تعزيز المساواة بين الجنسين أفقياً، من خلال ترسيخ ثقافة تدعم تمكين النساء والفتيات، وتغيير الصور النمطية الموروثة التي تحيط بهن، أو على المستوى العمودي، من خلال توظيفها في المرافعة بشأن قضايا المرأة أمام صانعي القرار.

كما تزداد أهمية الموضوع، من جهة ثانية، باستحضار عدد من التقارير الدولية التي تؤكد وجود فوارق بين الجنسين، فيما يتعلق بالولوج إلى التكنولوجيا الحديثة، وما تزخر به من تقنيات، أو في ما يتعلق بالفجوة التي تفصل بين الجنسين، في ما يتصل باقتحام فرص العمل والوظائف في هذا المجال الحيوي.

لقد حققت المرأة في عدد من البلدان العربية مجموعة من المكتسبات، ارتباطاً بالتشريعات أو على السياسات العمومية، علاوة على تنامي حضورها داخل مراكز القرار، وهو أمر لم يكن بالصدفة أو الفجائية، بقدر ما كان حصيلة جهود كبرى راكمتها الحركات النسائية ونضالات مختلف الفعاليات السياسية والحقوقية والمدنية، وتجاوب صانعي القرار مع الموضوع.

وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هناك إكراهات وتحديات تواجه النساء في عدد من دول المنطقة، على مستوى الولوج للتعليم، أو في ما يتعلق بالتمكين الاقتصادي والسياسي، أو اقتحام مراكز القرار في مختلف المجالات والميادين. وتزداد هذه الإكراهات قوة داخل المناطق القروية/ الريفية.

إن تجاوز الإشكالات التي تحيط بوضع المرأة داخل عدد من المجتمعات في المنطقة، يتطلب تطوير الجهود المبذولة، لتكون في مستوى تعزيز وترسيخ المعايير الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة على وجه الخصوص، في جوانبها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

ويمكن لتوظيف التكنولوجيا الحديثة والمعلومات أن يسهم في كسب هذا الرهان، سواء على مستوى الحدّ من التمييز القائم على النوع، أو في مكافحة العنف الممارس ضد النساء، أو تمكينهن سياسياً واقتصادياً، وتعزيز ولوجهن إلى الحياة العامة وإلى مختلف الخدمات الصحية والاجتماعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/fxw4aued

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"