عادي

حراك كتابي «منزوع الدسم»

23:10 مساء
قراءة 6 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

على الرغم من الحراك الأدبي الذي تشهده الدولة على كافة مستويات وأنماط الكتابة الإبداعية، فإن النقد يكاد يكون المعادلة الغائبة في الفعل الثقافي، وهذا الأمر ربما أثار مراراً سؤال النقد، وكيفية تطوره وازدهاره، لكونه يمثل رافعة للأدب الحقيقي. وعلى الرغم من أن هناك أسماء من أهل الاختصاص والتأهيل الأكاديمي بدأت تبرز في الساحة الأدبية، فإن النقد لا يزال حبيس الأبراج الأكاديمية، بحيث أصبح من المهم إيجاد أفق للنقد، وذلك ما أكده نقاد وكتاب تحدثوا إلى «الخليج».

اتفق الكتاب في استطلاعنا على غياب النقد الجاد، وهم يقصدون بذلك النقد الذي ينهض على أسس علمية وأكاديمية، مشيرين إلى أنه من المهم أن يعي الكاتب أهمية النقد في تطوير العملية الإبداعية، غير أنهم لفتوا إلى أن النقد بطبيعته ليس شأناً جماهيرياً؛ لأنه يعتمد على المفاهيم والمصطلحات العلمية، غير أن المطلوب من النقد أن يتجه إلى إثراء الحراك الأدبي، وعلى المؤسسات الثقافية أن تهتم به.

موظف

ووصف الروائي والكاتب علي أبو الريش، الناقد حالياً بالموظف الذي لا يشجع على القراءة ولا يمارسها هو نفسه، فالنقد الحقيقي يتطلب أن تفرد له مساحات كبيرة من الرأي والرأي الآخر، وهناك أهمية لتشكيل حاضنة حقيقية لنمو وازدهار الحراك النقدي.

وذكر أبو الريش أن عدد النقاد الحقيقيين يعدون على أصابع اليد الواحدة، بينما تسود الانطباعية، فمعظم النقاد لا يستندون إلى مدارس نقدية حقيقية. فهناك أسباب كثيرة تحول دون أن يبدي النقاد رأيهم بصورة عملية أهمها عدم تقبل النقد، لذلك تنتشر المجاملة، ومن هنا تأتي أهمية استقطاب أقلام تمارس فعل النقد بصورة حقيقية، ومن المهم أن يكون هناك دور للنقد، معرباً عن أمله أن يتحقق هذا الأمر في القريب العاجل.

وشدد أبو الريش على أن الساحة الثقافية بحاجة إلى كتاب ومبدعين جدد يبحثون عن أفق جديد للأدب والنقد، ووجود كثير من المؤلفات الأدبية يشير إلى انتشار الركاكة، نسبة لغياب صوت النقاد الحقيقي، داعياً وزارة الثقافة إلى تنقية الشوائب الموجودة في الساحة الأدبية.

تحري الحقيقة

وأكدت د. مريم الهاشمي أن مجتمع النقد نوعي وأغلبه أكاديمي، وبالتالي يصعب على القارئ أو حتى الكاتب أن يفهم المصطلحات النقدية، ووظيفة الناقد أن يجسر الفجوة بين المبدع والقارئ، وبين مجتمع النقد ومجتمع الإبداع.

وشددت الهاشمي على أن عملية تطور النقد تبدأ من الناقد نفسه، فالمهم أن يتحرر من انطباعاته الشخصية، وكل من فعل ذلك كان تقييمه عادلاً وأكثر إنصافاً وصدقاً وتحرياً للحقيقة؛ إذ إن تجرد الناقد من هواه شرط أساسي لسلامة أحكامه النقدية. وللناقد حريته في الاستفادة من جميع المذاهب النقدية من أجل إبداع نقد مستقل، وفق مصطلحاته ومشاربه وأنواعه، فالنقد الحر النزيه هو دعامة للأدب الرفيع، وبالتالي فإن النزاهة والحرية هي عوامل أساسية لتطور فعل النقد.

وشددت الهاشمي على أهمية النقد ودوره والاهتمام بالأدوات النقدية، مؤكدة أن المبدع مهما أسرف في التجريد والتبديل والحذف والإضمار والتخييل، فإنه يترك للناقد بصيصاً من الأمل لإيجاد تواصل مع النص، إلا أن هذا يتطلب استخدام الأدوات التي تعينه على الكشف والتنقيب حتى لا يتوه في مجاهل متراكبة تأبى السفور والكشف والإفصاح، فصنعة النقد ركيزة أساسية في تكوين المعنى، تهدف إلى تحويل النص من بنية مغلقة إلى بنية منفتحة على الاختلاف والمغايرة. وهناك دور مهم للجوائز والمبادرات الثقافية في دعم الأدب والنقد والإبداع وتطور الحراك الثقافي وازدهاره. وتقول: «الجوائز بطبيعتها نوع من أنواع الحث الخارجي واستثارة الذات في الإبقاء على الإبداع الفكري»، وكل الجوائز الأدبية والنقدية تصب في دعم الأدب والنقد، وهي كذلك مسألة مهمة تجاه الإبقاء على الكتابة حاضرة، والنقد عملية تطلب تضافر جهود المؤسسات الثقافية والأدباء والنقاد أنفسهم.

وأشار الشاعر والروائي حارب الظاهري إلى وجود العديد من المشاكل المتعلقة بالحراك النقدي ودوره في الواقع الثقافي، معرباً عن أسفه لواقع النقد الأدبي في الإمارات، وذكر أن هناك ندرة في هذا المجال المهم الذي هو بمثابة المعادلة المفقودة في الفعل الإبداعي، واقترح ضرورة أن يكون هناك نقاد من داخل الدولة؛ أي أصوات نقدية من أبناء وبنات الإمارات أنفسهم، باعتبار أن الناقد الحقيقي هو من يفهم طبيعة المجتمع، ويكون معايشاً ومطلعاً على البيئة والثقافة والتاريخ، ويجب أن يكون للمؤسسات الثقافية المختلفة دور في ذلك الجانب المهم، ويقول: «النقد عملية شديدة الأهمية للإبداع، فهو المقياس للتطور أو التراجع، وهناك إشراقات متمثلة في بروز أقلام إماراتية في هذا المجال المهم، لكن المطلوب هو ناقد يمتلك حساسية الفعل الأدبي ويجاري عملية الكتابة والنشر بصورة مستمرة».

ولفت الظاهري إلى أن النقد مرتبط بصورة كبيرة بالنشر في الصحف، وكانت الصفحات الثقافية في السابق خاصة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، تحتضن النتاج الأدبي في مجالات الشعر والرواية والقصة وغير ذلك من الأنماط الإبداعية، وكان يتم تناول العمل الأدبي وتسليط الضوء عليه بصورة حقيقية.

وأكد الظاهري ضرورة أن تكون هناك منظومة متكاملة تهتم بالنقد من جل الجوانب، وأن تتضافر الجهود من قبل المؤسسات المختلفة مثل الصحف وحلقات النقاش، والدراسات الجامعية والأعمال الفكرية، فالكاتب بحاجة إلى العملية النقدية لمعرفة ما إذا كان مؤلفه أو نصه الشعري قد حقق النجاح المأمول واستوفى شروط ومعايير الكتابة، وإلى أي مدى كان موفقاً.

أداة بناء

وأكد الباحث والمختص في اللغة العربية د. فهد المعمري، أهمية النقد والعمل على تطويره في الحياة الثقافية، والبعض يرى فيه سلاحاً ذا حدين، وذلك الأمر غير صحيح، حيث إن النقد هو بناء مستمر.

ولفت المعمري إلى أهمية توفر النقد في الحياة الثقافية والإبداعية، فهو يتطور من خلال وجوده المتواصل والمستمر والقيام بدوره في الحراك الأدبي في مختلف الأنماط الإبداعية على مستويات الشعر والرواية والقصة وغير ذلك من أشكال أدبية. إن النقد الحقيقي يعد اليوم عاملاً يساعد في بناء وازدهار الأدب، وبالتالي لا يصح ما يشيعه البعض من أنه معول هدم؛ بل إنه هو الذي يقيم المبنى الأدبي ويشرحه ويفسره، فللناقد المختص عين بصيرة تنظر إلى جميع زوايا النص من حيث الأساليب والأدوات واللغة. ومن الضروري أن يوجد النقد في كل محطة أدبية وإبداعية، ويجب على الأدباء أن يفهموا ويعوا أن الناقد له دور أساسي في تطور الأدب، وهو عامل مساعد لهم ككتاب وأدباء.

ولفت المعمري إلى ضرورة أن يخضع النقد لقوانين واعتبارات كثيرة ومعطيات علمية، وأن يمارس دوره في التنقيب داخل النص والبحث بين السطور والمعاني والأفكار. إن الوعي بأهمية النقد يقود إلى ازدهاره، وللمؤسسات العلمية والثقافية والإعلامية دور كبير في تطور النقد ونشر ثقافته، ولقد بدأت دور النشر تعي ذلك الدور الذي يلعبه النقاد، وأصبحت تولي أهمية للمحرر الأدبي.

دور النشر

وأكدت الناقدة زينب الياسي أن الناقد موجود في ساحة الفعل الثقافي والأدبي والإبداعي، فهو لم يتوار ولم يتراخ ولم يترك موقعه؛ بل ظل يباشر عملية دراسة الكتب والمؤلفات، والإحساس بغياب النقاد سببه سهولة النشر والطباعة، فمساحة الكتابة باتت ميسرة للمؤلفين.

وترى الياسي أهمية الاهتمام بالنظريات النقدية حتى يرتقي الأدب، فهناك نوع من الاستسهال من قبل الكتاب والمؤلفين من حيث عدم الاهتمام بالنقد والنظريات التي هي بمثابة بوصلة للكتابة.

وذكرت الياسي أن هناك كُتاباً اليوم، لا يحفلون بالنقد ولا يطلعون عليه، لذلك فإن كثيراً منهم يمارس الكتابة عبر طريقة الحكي القديمة التقليدية «أقرب إلى أسلوب الجدات»، وواجب الناقد يتمثل في الاعتناء بالنص والتعريف بالأدوات والأساليب الجديدة. إن غياب النقد وعدم تطوره يعني تسرب وانتشار الركاكة والضعف الأسلوبي إلى النص، وازدهار النقد يتطلب من المؤسسات الإبداعية والثقافية كافة، تبنّي النقاد بصورة مستمرة، وليس عبر جلسة عابرة أو مقالة في صحيفة، وهناك حاجة لكي تقوم الصحف بنشر القراءات النقدية، وعدم الاعتماد على أسماء بعينها، مؤكدة الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به في هذا الشأن، من حيث متابعة الحراك النقدي بصورة مستمرة.

وتذهب الياسي إلى أهمية أن تفتح دور النشر أبوابها لطباعة الكتب النقدية، وعندما أنجزت كتابها عن «الذاكرة في الرواية العربية»، ظلت تبحث عن ناشر بلا طائل، بينما يستطيع الروائي أو القاص أن ينشر كتابه بسهولة، وتعاون دور النشر مع النقاد هو من العوامل المهمة في تطور وازدهار النقد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/49ne3uta

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"