عادي

أصوات رائدة

23:42 مساء
قراءة 6 دقائق
4

استطلاع: نجاة الفارس

ماذا أضافت المرأة الناقدة للمشهد النقدي في الإمارات؟ يؤكد عدد من الكتاب والنقاد أن الممارسة النقدية لا تميز بين قلم الرجل والمرأة ؛ بل من خلال المعرفة التي منها وبها يتخلّق الإبداع، ولفتوا إلى أن المرأة الإماراتية حاضرة في الشعر والرواية والقصة والفنون البصرية، وفي مجال النقد الأدبي برزت في الآونة الأخيرة أصوات رائدة، قدمت مشاركات عدة في هذا المجال، تنهض بدور المرأة الناقدة في قراءة تفاصيل النقد الأدبي ومواكبة المشهد الثقافي في الدولة.

الدكتورة مريم الهاشمي، ناقدة وأكاديمية، تقول: «النقد محاولة لإجراء حوار بين الدراسات الأدبية وعلوم الذهن، فهو حوار تنخرط فيه أقسام علم النفس واللغويات وعلم الأعصاب وفلسفة الذهن وأبحاث الذكاء الإصطناعي وعلوم النفس المعرفية؛ لتنقسم إلى بلاغة معرفية، وعلم سرد معرفي، وعلم جمال ونظرية أدبية تطورية وارتقائية؛ فمن شأنه أن يساعدنا على عبور الهوة الفاصلة بين الفن والعلم، وأن يشجع على تنمية الاحترام المتبادل بين دارسي العلوم الإنسانية ودارسي العلوم الطبيعية، والاستفادة من النسقين على نحو يبعد الممارسة النقدية من طابع التنظير، وبهذا فإن الممارسة النقدية تنهض على فعل القراءة، على نحو يحقق التداخل متعدد الوجوه والتشابك شديد الخصوبة؛ لما يتحصل منه وما يثيره من بساتين للتأويل والقراءة، ومن هنا فإن النقد هو في الحقيقة إعادة إنتاج للأدب باعتباره قراءة في النصوص الغيرية المبني على الأساس المعرفي في محاورته للنصوص وتأويلها، وهو بيت متعدد النوافذ، وأهم مقاصد النقد الأدبي استجلاء خصائص النص الفنية وهي القراءة العالمة للنص».

وتؤكد أن الممارسة النقدية لا تميز بين قلم الرجل والمرأة ؛ بل من خلال المعرفة التي منها، وبها يتخلّق الإبداع، فهي الوجه الآخر الموجه للقراءة؛ إذ بقدر ما تغذي المعرفة تلك الممارسة بقدر ما تستفيد منها في الآن ذاته، فلابد من الإنصات للوجه الآخر للقراءة – وهو القراءة النقدية – عن طريق سلك مسلك البعد المعثقافي الذي يعاود السريان في النصوص الإبداعية والمرتبطة بالكتب والكتابة والقراءة والأسئلة المعرفية، وتؤمّن للعالم الثقافي قراءة منتجة وفعلية، ووجب على المجتمع المثقف أن يدرك أن لغة النقد الأدبي باتت اليوم من لغات الاختصاص التي أصبحت تجاوز وتتعايش مع لغات اختصاص أخرى في حقول مغايرة.

مواكبة

الدكتور إياد عبدالمجيد العبدالله أستاذ الأدب العربي ونقده، يقول: «تلعب المؤسسات الثقافية والأكاديمية في الإمارات دوراً كبيراً في تمكين المرأة تجسد في حضورها وإسهاماتها في هذه المؤسسات بما يعزز أسس النهضة، ويجعلها تسهم في الحراك الثقافي بمجال الإبداع، من خلال المنابر الثقافية، أو مجال الإبداع والكتابة والبحث الأكاديمي، غير أن حضور الناقدة الإماراتية لا يزال خجولاً، فالجانب النقدي في كتاباتها لا يتواكب مع الإبداع الأدبي، وربما أن الناقدة الإماراتية كانت، ولما تزل منشغلة بنضوج التجربة الإبداعية، ولا تريد أن تصدر أحكامها على التجارب الأدبية، حتى لو كانت للمرأة من جنسها، فالمشهد الثقافي يعج بالكتاب والنقاد إذا ما قورن بالكاتبات والناقدات، غير أن حضورها المتأخر، لا يعني أنها تخشى الحضور أو التفاعل، فقد شكّل حضور بعض الأصوات النقدية مؤخراً، ظهور إبداع جديد، بأفكار متطورة، وبات الجميع يدرك اليوم أن صوت المرأة المنقطع أو الخجول، أو التجارب اليتيمة سابقاً، تحول اليوم إلى إبداع جديد بأفكار متطورة، فعلى الصعيد الثقافي أصبح لها وجود مميز في الصحافة، وتميزت كشاعرة وروائية، ثم دخلت المعترك النقدي فأبدعت فيه، ولها أثرها في المشهد الثقافي النقدي، لاسيما في المؤسسات الثقافية التي تديرها سيدات إماراتيات، فضلاً عن الجهات الثقافية الأخرى المتمثلة في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وصالون الملتقى الأدبي، وهذه المنتديات الثقافية لعبت دوراً كبيراً في استقطاب النساء المبدعات، فالإماراتية حاضرة في الشعر والرواية والقصة والفنون البصرية، ففي مجال النقد الأدبي برزت في الآونة الأخيرة أصوات رائدة منهن، الدكتورة مريم الهاشمي، والدكتورة زينب الياسي، والدكتورة بديعة الهاشمي، قدمن عدة مشاركات في هذا المجال، وصرن ينهضن بدور المرأة الناقدة في قراءة تفاصيل النقد الأدبي ومواكبة المشهد الثقافي في الدولة».

ويلفت عبد المجيد إلى أنه من خلال المتابعة للمشهد الثقافي الذي سجل حضوراً واضحاً للناقدة الإماراتية أثبت أنها قادرة على التميز والإبداع، شأنها شأن كل المجالات التي اندفعت فيها بقوة وأثبتت أنها قادرة على التميز والعمل والعطاء، منذ أن اندفعت بكل بقوة في عالم المعرفة والعلم والعمل، تعكس بذلك رؤيتها للمستقبل، فأصبحت أيقونة للثقافة لها دورها المتميز، وهي تنهل من كل تيارات الحداثة والعولمة والانفتاح على الآخر، وتطّلع على التجارب العالمية، وتقدم ما لديها، ما عزز حضورها في المشهد الثقافي، بحيث اتخذ النّقد النسّويّ صورة تحليل آليات الإنتاج والاستهلاك المتعلّقة بنصوص أو ممارسات بعينها من منظور نسويّ، علماً بأنّ هناك طرقاً مختلفة للتّناول، جميعها نسويّة، وكلّها تسمح بالتّعدّد في إطار المعارف المختلفة وفي إطار النّسويّة نفسها، وقد بدأ الخطاب النّسويّ يتغلغل تغلغله في التّفكير على مستوى الحياة اليوميّة، رغم محدوديته التي نأمل أن تكون أكثر نشاطاً ومتابعة لتنطلق إلى نقد أدبي نسويّ يركّز على المرأة من خلال تناول نصوص تكتبها المرأة بنفسها.

عوامل مساعدة

الشاعرة الدكتورة عائشة الشامسي ناقدة وأكاديمية، تقول: «لم تغب الناقدة الإماراتية عن المشهد الثقافي، بل كان لها حضور جيد يتضح من خلال مشاركتها في الكتابة النقدية في المجلات أو في إصدار كتب نقدية، أو حتى مشاركاتها في الأمسيات النقدية، وقد استطاعت تحقيق مكانة لها في الحقل النقدي، وساعد هذا التواجد عوامل عدة من أهمها: تمكين المرأة ثقافياً في الإمارات، والقيادة الرشيدة لم تدخر جهداً لدعم المرأة في كل المجالات، وتوفير البيئة الحاضنة للمواهب والإبداع، كذلك حرية النشر والكتابة من العوامل التي ساعدت الناقدة الإماراتية على الظهور والإنتاج والتواجد في المشهد النقدي».

وتوضح، إذا تساءلنا ماذا أضافت الناقدة الإماراتية للمشهد الثقافي، فإن الإجابة بالتأكيد ستكون أن المرأة الناقدة في حد ذاتها إضافة نوعية للمشهد الثقافي، بعيداً عن جدلية المقارنة بين الحضور الذكوري والنسوي في هذا المشهد، لأن المشهد الثقافي يحتاج إلى الاثنين، كما أن المرأة الإماراتية أسهمت في تعزيز المشهد الثقافي بمشاركاتها المختلفة، سواء ما تقدمه من بحوث أو مشاركات حية، ونلاحظ أن المشهد الثقافي يتجه اليوم صوب تفعيل دور المرأة، والدليل على ذلك وجود أسماء ناقدات إماراتيات تخطين حدود الإمارات للعالم العربي، وكذلك فوز بعضهن بجوائز في مجال النقد، كما نلاحظ في هذه الفترة بروز جيل من الأكاديميات والباحثات اللواتي برزت أسماؤهن في الحركة النقدية، ويسهمن بكثافة في المداخلات الأدبية والنقدية، ولهن دور بارز في إثراء البحوث الأكاديمية التي تصب في مجال النقد، فالمرأة الناقدة لها دور بارز وفاعل ومفصلي في النهضة الأدبية وتعزيز المشهد الثقافي، وهي حاضرة في المؤسسات الثقافية وحضورها حضور قوي وفاعل ولافتا للنظر.

بصمات عميقة

الدكتور أحمد عقيلي ناقد وأكاديمي، يقول: «حين نتحدث عن الحراك النقدي للناقدة الإماراتية، فإننا نتناول الحركة الثقافية الإماراتية النسوية، لأنّ الحركة النقدية تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحراك الثقافي بعمومه، وقد شهدت الساحة الثقافية الإماراتية عموماً، والحركة النقدية على وجه الخصوص، بروز أسماء نسائية لامعة في المشهد الثقافي، حيث كان لهذه الأسماء بصمات عميقة حافلة بالنجاحات، ولم تقتصر هذه المنجزات على الصعيد المحلي، بل تجاوزته إلى الصعيدين الإقليمي والعربي».

ويضيف: «النقد النسوي الإماراتي يتحرك في محورين: الأول: دراسة صورة المرأة في الأدب الذي أنتجه الأدباء، والثاني: دراسة النصوص التي أنتجتها الأديبات، ويمتاز هذا النقد باعتماده على مقومات اللغة وقواعدها النحوية والصرفية والبلاغية، ومناهج النقد الأدبي على اختلاف مدارسه وقواعده، وتوظيف ذلك كله في تناول النتاج الأدبي المدروس، وهي في ذلك كله تمثل الجانب الإبداعي الذي لا يقل أبداً عن النقد الذكوري وإبداعاته، ولا يكتفي النقد النسوي الإماراتي بتناول النتاج الأدبي النسوي، بل يسعى من خلال هذه الحركة النقدية إلى تطوير الأسلوب النسوي في الكتابة، لتثبت نفسها ومكانتها النقدية».

ويذكر الدكتور عقيلي مقولة للناقدة الإماراتية الدكتورة زينب الياسي تقول فيها: «ينظر الكثيرون للنقد باعتباره إظهاراً للسلبيات وللجوانب المظلمة من العمل وتسليط الضوء على الأخطاء في أي عمل، بينما النقد في الواقع هو القدرة على رؤية الجمال الفني والأدبي في النص، فالنقد ليس رؤية لمواطن الضعف؛ بل العكس»، وصفوة القول، أن العملية الإبداعية عموماً، والنقدية خصوصاً، نتاج إنساني لا يقتصر على جنس من دون آخر، بل إنه خلاصة إبداع الفكر والعقل والروح، سواء كان للناقدة أو الناقد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"