المغرب والاتحاد الأوروبي.. أية شراكة؟

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

شهدت علاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي، تطوراً ملحوظاً على امتداد العقدين الأخيرين، حيث طال التعاون بينهما عدداً من المجالات التجارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وهو ما أتاح الاعتراف للمغرب بوضع الشريك المتقدم في عام 2008، ضمن سابقة أقر من خلالها الاتحاد بأهمية شريك خارج الفضاء الأوروبي.

وقد أعطى هذا الوضع دفعة قوية للعلاقات بين الطرفين على عدة مستويات، كما أنه شكل إقراراً بالتطورات التي شهدها المغرب في عدد من المجالات السياسية والاقتصادية، وتعبيراً عن الرغبة في إرساء علاقات متينة وواعدة تدعم مختلف الإصلاحات السياسية والاقتصادية بالمغرب.

لم تخل هذه العلاقات بين الجانبين من محطات صعبة، فقد شهدت قدراً من التوتر خلال الفترة الأخيرة، بعد إصدار البرلمان الأوروبي لقرار بأغلبية كبيرة، انتقد فيه حرية الصحافة بالمغرب، ودعا من خلاله إلى إطلاق سراح عدد من الصحفيين، وهو ما خلف ردود فعل قوية داخل المغرب، حيث دان المجلس الأعلى للسلطة القضائية هذا القرار، الذي تم اعتباره بمثابة تدخل في الشأن القضائي للبلاد ومحاولة للتأثير في مقرراته، فيما قرر البرلمان المغربي بغرفتيه إعادة النظر مع البرلمان الأوروبي وإخضاعها للتقييم.

كما أطلقت بعض الأوساط داخل الاتحاد اتهامات تحدثت عن سعي المغرب للتأثير في البرلمان الأوروبي عبر رشوة أعضاء داخل هذا الأخير، فيما وصل الأمر إلى حد منع نواب مغاربة قبل أسابيع من ولوج مقر البرلمان الأوروبي.

وقد اعتبر عدد من المراقبين أن الأمر يتعلق بردّ فعل أوروبي، يحمل بين طياته رسائل، تحيل إلى انزعاج بعض أعضائه من التوجهات الخارجية التي قادها المغرب خلال السنوات الأخيرة، سواء بتعزيز علاقته مع الولايات المتحدة التي عبّرت من خلال رئيسها السابق عن الدعم الكامل لمشروع الحكم الذاتي، كحل واقعي ومستدام لقضية الصحراء، أو في ما يتعلق بالمكتسبات التي حققها على مستوى الدائرة الإفريقية منذ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في إطار علاقات جنوب - جنوب، في مقابل التراجع الأوروبي داخل الفضاءات الإفريقية، مع صعود نخب سياسية جديدة، وتزايد اهتمام عدد من القوى الدولية والإقليمية الكبرى كالصين وروسيا بالقارة الإفريقية في إطار السعي لإرساء علاقات جديدة تتجاوز العلاقات النمطية غير المتوازنة التي كرستها البلدان الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا داخل القارة السمراء.

وأمام هذه التطورات، اعتبر الكثير من المراقبين، أن العلاقات بين الجانبين ستشهد تراجعات وانتكاسات، يمكن أن تؤثر بشكل سلبي في ما تحقق من مكتسبات في هذا الخصوص.

غير أن إطلاق الاتحاد الأوروبي لبرامج تعاون مع المغرب خلال الآونة الأخير، طال عدداً من القضايا والملفات التي يوليها المغرب قدراً من العناية كالبيئة، والهجرة، والإدماج المالي وإصلاح الإدارة والحماية الاجتماعية، بقيمة مالية مهمة بلغت 500 يورو. بالإضافة إلى زيارة المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار والتوسع إلى المغرب، كلها مؤشرات تشير إلى حرص الجانبين على تمتين الشراكة بينهما، وتجاوز كل الخلافات القائمة، كما تعبر أيضاً عن إقرار بأهمية العلاقات التاريخية التي تجمع الطرفين، وعدم استعداد الطرف الأوروبي للتفريط في شريك استراتيجي، بالضفة الجنوبية للمتوسط.

وفي هذا السياق، فقد عبّر وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، عن أمله في أن تمثل «2023 سنة التزام وطموح أكبر، من خلال تنفيذ ما تم التوقيع عليه من اتفاقيات الشراكة المالية، وفتح آفاق جديدة للتعاون سواء في المجال الأمني ومجال الهجرة»، فيما أكد المفوض الأوروبي، أن «المغرب بلد مهم ودعامة للاستقرار في المنطقة»، مشيراً أيضاً إلى أهمية الشراكة بين الطرفين.

إن تشبيك المصالح بين المغرب والاتحاد الأوروبي على المستويات السياسية والتجارية، علاوة عن وجود مجموعة من الملفات والأولويات المشتركة، سواء في ما يتصل بالمجال الاقتصادي، أو في ما يتعلق بقضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب، كلها عوامل تمثل أرضية صلبة من شأنها أن تحصّن هذه العلاقات، وتدعم تجاوز كل الخلافات والأزمات العابرة.

ويبدو أن تعزيز هذه العلاقات، أصبح يتوقف في جزء كبير منه على استيعاب الأوروبيين للتطورات التي شهدها المغرب خلال العقود الأخيرة، وللتحديات التي تواجه الطرفين، وما يتطلبه الأمر من إرساء علاقات متوازنة مبنية على الربح المتبادل، وعلى استحضار مصالح المغرب في شموليتها، بما في ذلك وحدته الترابية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/tskwbv9k

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"