عادي
روايته الجديدة قبس من سيرة الأمجاد

سلطان القاسمي يصدر رواية مقاومة خورفكان للغزو البرتغالي

17:51 مساء
قراءة 6 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

في كل مرة يسجل فيها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، زيارة للتاريخ، سواء القريب أو البعيد، دائماً ما يكون هناك موقف وقول جديد، برافعة التحليل والتفسير ورصد الوقائع والإحاطة بها، وبالاستناد إلى المراجع المحققة، بسرد شائق ممتع ومتمكن من أدوات الرواية، بأسلوب هو السهل الممتنع الذي يراعي مبدأ البساطة التي توفر للقارئ المعلومات وتجعله يقبل على القراءة بصورة متعمقة لما في العمل السردي التاريخي من عبر ورؤى وأفكار.

«مقاومة خورفكان للغزو البرتغالي، سبتمبر عام 1507م، فبراير سنة 1534م»، هي عمل روائي جديد لصاحب السمو حاكم الشارقة، وصدرت عن «منشورات القاسمي»، 2023، وهي من الروايات التاريخية التي تشكل مشروعاً سردياً متكاملاً عند سموه، حيث صدرت له العديد من الأعمال الروائية التي تستلهم مادة التاريخ، وتستند كذلك إلى الحقول المعرفية المتنوعة، إذ إن سموه يطرح من خلال الأعمال الروائية رؤيته حول الواقع والتاريخ بغية الاستفادة منه في الواقع الراهن، وكذلك من أجل الدروس والعبر، والقيم التي يشتمل عليها من شجاعة وفروسية وحكمة، وأيضاً من أجل تنقيته من شوائب الزيف ودفع الافتراء وتصحيح المعلومات المتعلقة بالواقعة التاريخية، وكذلك نرى في تلك الروايات أن سموه يستعيد التاريخ من أجل استنطاقه ومحاكمته بحيث يعيد الاعتبار للحقيقة، وهو الأمر الذي يسهم بقوة في صناعة واقع وراهن عربي وإسلامي مختلف. 

الصورة
1

 تنقيب

ويمارس صاحب السمو حاكم الشارقة، في أعماله الروائية فعل التنقيب والبحث، فهو يغوص عميقاً في أحداث التاريخ مستنداً إلى الكثير من الوثائق والمراجع والمخطوطات النادرة وغير المتوفرة، بالتالي يلاحظ القارئ أن في العمل السردي الواحد حشداً من المعلومات، كما أن رواياته تحترم القارئ إذ تجعله يفكر ويتأمل ويحلل الأحداث التاريخية التي يعيد إليها سموه الألق والحضور حتى لا يلفها النسيان، لذلك فإن عملية التجول في تلك الأعمال السردية من قبل القارئ، تنطوي على متعة حقيقية ورحلة استكشاف لمجاهيل كثيرة في الواقع والتاريخ.

الرواية تقع في قرابة 75 صفحة، وهي الإصدار الرقم ال 9 في فئة الروايات والسرد، وال81 ضمن مجمل أعمال صاحب السمو حاكم الشارقة في مختلف أنواع المعرفة، وتدور التاريخية في القرن السادس عشر، وتروي قصة الأجداد الذين عاصروا هذه الأحداث، والشجاعة والصلابة التي تميزوا بها، وعدم تفريطهم في أرضهم الغالية، وتسرد بصورة خاصة بطولات أهالي خورفكان، وكيف استطاعوا مواجهة الأسطول البرتغالي بقيادة أفونسو دي البوكيرك.

قيم رفيعة

وجاء في كلمة مقدمة الرواية لصاحب السمو حاكم الشارقة: «مقاومة خورفكان للغزو البرتغالي، رواية تاريخية موثقة توثيقاً محكماً، تروي مقاومة أهالي خورفكان للغزو البرتغالي عام 1507، الذين قتلوا الأبرياء، ومثلوا بكبار السنّ من أهالي خورفكان، وهدوا الحصن، وأحرقوا المدينة. ويشاء القدر أنه بعد عدة سنين، يعودون مرة أخرى، فيكمن لهم أهالي خورفكان، ويقتلون من جنود البرتغاليين أعداداً، ويأسرون آخرين، لكنهم لم يمثلوا بهم، كما مثّل البرتغاليون بآبائهم»، ولعل القارئ عبر تلك المقدمة الوافية، التي شكلت عتبة نصية مهمة، يدخل عبر أجواء الرواية ويقف على معانيها ورسائلها، حيث إن العمل يرصد القسوة المفرطة التي مارسها المحتلون البرتغال، بصورة وحشية لم يراعوا فيها أي قيم أو أخلاق، وخلفوا ورائهم كمية من الخراب المتمثل في إحراق المدينة وهدم أحد معالمها الأثرية والتاريخية وهو الحصن، وذلك الأمر ظل يحرص عليه الغزاة الغربيين دائما في كل مدينة أو بلد يقومون باحتلاله، وهو هدم الآثار والمعالم الحضارية من أجل ضرب الهوية والموروث، ثم يقف سموه في هذه المقدمة عند عودة المحتل البرتغالي مرة أخرى، والمقاومة الباسلة التي وجدها من قبل أهالي خورفكان، ويبرز قيم البسالة والشجاعة والبأس وروح النضال عند هؤلاء الأهالي، ويتوقف سموه عند نقطة في غاية الأهمية، وهي الطريقة التي تعامل بها الأهالي تجاه هؤلاء الغزاة بعد أسر بعض منهم، حيث تم التعامل معهم بمرجعية القيم والأخلاق الدينية المتوارثة، فهم لم يقوموا بمعاملتهم بالمثل فلم يعملوا على الانتقام والتشفي عبر التمثيل بهم، بل تعاملوا معهم وفق أخلاق سامية وقيم رفيعة.

تفتح الرواية على مشهد الأسطول البرتغالي في صبيحة يوم الحادي والعشرين من شهر سبتمبر عام 1507، وهو يبحر نحو مدينة خورفكان، والذي كان مكوناً من 6 سفن حربية، 4 كبيرة الحجم، و2 من القطع الصغيرة، بقيادة أفونسو دي البوكيرك، وإلى جانبه عدد من القادة الكبار، وقوة عسكرية على متن تلك السفن وصل عدد رجالها إلى 460 من الجنود، وعدد كبير من النبلاء والفرسان، وأثناء اقتراب ذلك الأسطول من الجبال الشرقية لخور فكان، لمحه خمسة من البحارة العرب على متن سفينة صغيرة تسمى «سنبوق»، حيث اتجهت هذه السفينة الصغيرة مباشرة نحو خورفكان، وحاول البرتغاليون قدر الإمكان إغراق السفينة واللحاق بها، غير أنها استطاعت الوصول إلى نهاية سلسلة الجبال الشرقية لتستدير حولها وتختبئ عن أنظار البرتغاليين.

هذا الاستهلال السردي، يرسم صورة مشهدية غاية الروعة، وهو بمثابة تمهيد خلاق ومبتكر، يجعل القارئ يتابع بقية الأحداث بشغف، حيث إن البحارة على «السنبوق» اتجهوا نحو خورفكان من أجل الإخبار عن وصول الغزاة وبالتالي الاستعداد لهم، وتبرز براعة السرد في ذلك المشهد العجيب عند وصول السنبوق بقرب الشاطئ حيث كان الأهالي يصيحون: سنبوق سنبوق سنبوق، بينما كان البحارة على متن السفينة الصغيرة يصيحون في الأهالي: «برتكال برتكال برتكال»، لتنبيه المتواجدين في الشاطئ بأن هناك سفناً برتغالية قادمة، وعليهم تحذير الناس.

معالم المدينة

ويرسم صاحب السمو حاكم الشارقة لوحة وصفية غاية في الروعة عن خورفكان في ذلك الوقت جاء فيها: «تشاهد مدينة خورفكان الواقعة في منطقة مفتوحة على سهل كبير، تحيط به سلسلة كبيرة من الجبال، وهي مفتوحة الأرض ناحية البحر، حيث يأتي الناس من الجبال لبيع الخيول، ويتم شراؤها من قبل تجار السفن، الذين يأخذونها إلى الهند على هيئة شحنات»، هذه الصورة النابضة بالحياة تجعل القارئ في قلب الأحداث وفي واقع ذلك الوقت السياسي والثقافي والحضاري والاقتصادي، ويستمر الوصف في الكتاب عن الحياة في ذلك الحين، ويشير إلى أن خورفكان كانت تحكم في تلك الحقبة بواسطة ممثل عن ملك هرمز، وكان لديه مجموعة من الجنود تحت إمرته.

ويرصد الكتاب بدقة واقع تجمع الأهالي في مجموعات كبيرة قرب الشاطئ، في حين كانت السفن الحربية البرتغالية تقترب واحدة إثر الأخرى، بينما أخذ بعض الأهالي العلم الأبيض لرفعه ليشير إلى الاستسلام، فيما أبحر بعض التجار والوجهاء فراراً عن المدينة، وكان القائد البرتغالي يشاهد كل ذلك، وعندما حطت سفنه على الشاطئ، وكان أهالي خورفكان على صهوات جيادهم يحاولون منعهم من النزول، لكن مدافع الزوارق البرتغالية أطلقت عليهم قذائفها، وكانت المحصلة عدداً من الشهداء لينزل بعدها الجنود إلى الشاطئ.

الكتاب يقدم ملمحاً شديد الأهمية عن تاريخ المنطقة، ويكشف عن روح التعاضد والتكاتف بين أبنائها، ويظهر العمل أن أهالي خورفكان كانوا يتمتعون بالمعرفة والثقافة، خاصة في الحوارات التي جرت مع القائد البرتغالي أفونسو، والتي كشفت عن معرفة هؤلاء الأهالي بتاريخ الغرب، إضافة إلى خلفيتهم الحضارية.

 بطولة أهالي خورفكان

ترسم الرواية لوحة ملحمية عن بطولة أهالي خورفكان في مواجهة تقدم الجنود البرتغاليين داخل المدينة، فكان أن ألحقوا بهم أضراراً، حيث أطلقوا عليهم كمية من السهام التي كانت هي أدواتهم الحربية في مقاومة الغزو، ويحفل السرد بمشاهد ووقائع متعددة تكشف عن بسالة أهالي المدينة وهم يعلمون جاهدين على حماية أرضهم وممتلكاتهم في همة عالية وواجب لا يحيدون عنه رغم البطش والتقتيل، فالمقاومة لم تفتر عند هؤلاء الأهالي الذين أظهروا شجاعة فائقة، ويظهر مسار السرد قسوة البرتغاليين وغياب القيم والأخلاق لديهم، خاصة في أسرهم لكبار السن، حيث أمر أفونسو دي البوكيرك بقطع آذانهم وجدع أنوفهم، لكن بسالة أهالي خورفكان لم تتوقف رغم ذلك البطش الشديد، فكان أن أمر القائد البرتغالي جنوده بنهب المدينة والخروج منها. وقد ظهرت شجاعة أهالي خورفكان مرة أخرى عند عودة البرتغاليين بعد سنوات من هذه الوقائع في عام 1534، فكان النصر حليفهم في مواجهة الاحتلال، حيث هزموا البرتغاليين وأسروا منهم أعداداً كبيرة، حيث لم يكن أمام هؤلاء الغزاة غير التفاوض مع قائد القواسم الشيخ صقر القاسمي، في مشهد انتصرت فيه الإرادة أمام القوة الباطشة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3erwfh3e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"