هونغ كونغ وهجرة الأدمغة

21:38 مساء
قراءة 4 دقائق

تشارلز موك*

ترسم أحدث بيانات التعداد السكاني لهونغ كونغ صورة قاتمة للاتجاهات الديمغرافية للمنطقة الإدارية. ففي عام 2022، سجلت هونغ كونغ أعلى صافي خسارة سكانية وأقل معدل مواليد منذ عام 1991، مما رفع متوسط عمر السكان من 31.6 إلى 46.3 سنة خلال فترة الثلاثين عاماً هذه.

كما يرسم تقرير آخر حول التوظيف والوظائف الشاغرة صورة أكثر قتامة. إذ أظهرت مقارنة بين بيانات يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول لعام 2022 انخفاض عدد الوظائف في قطاعي «المعلومات والاتصالات» و«التمويل والتأمين» بنسبة 2.9% و3.2% على التوالي. في الوقت ذاته، قفز عدد الوظائف الشاغرة في هذين القطاعين بنسبة كبيرة بلغت 31.9% و19.1%.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين يرفضون أي حديث عن «هجرة الأدمغة»، إلا أن الواقع يقول إنه من بين حوالي 142 ألفاً من سكان هونغ كونغ الذين تقدموا بطلبات للحصول على الجنسية البريطانية حتى الآن، هناك 38600 شخص منهم تحت سن ال 18، و32600 شخص آخرين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 عاماً، مع 27800 شخص أعمارهم بين ال 45 وال 54 عاماً. لتعلن وزارة الداخلية البريطانية قبل نحو شهرين استقبال البلاد قرابة ال 144500 مهاجر من هونغ كونغ. فضلاً عن اجتذاب بلدان أخرى، كأستراليا وكندا، عدداً أصغر ولكن ذا قيمة عالية من شباب هونغ كونغ ذوي الدخل المرتفع.

ووفقاً لاستطلاع حديث، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين هم من المثقفين، يحمل 37.3% منهم شهادات جامعية، و32.2% حاصلون على درجات الماجستير.

وإذا ما دخلنا قليلاً في الحيثيات، نجد أن قطاع التكنولوجيا في هونغ كونغ لا يشجع كثيراً أصحاب المواهب المحلية على البقاء، ولا يقدم لهم حوافز تثنيهم عن الهجرة. وقد كافحت الحكومة على مدى العقدين الماضيين لتطوير استراتيجيتها التقنية، ونشر مخطط بعد مخطط، لكنها فشلت باستمرار في تدريب أو جذب المواهب المحلية والخارجية، أو العمل على جعل البلاد ملاذاً مفضلاً لشركات التكنولوجيا العالمية أو حتى الصينية.

وعلى الرغم من فشل القطاع التقني المستمر في العثور على مواهب تسد حاجة الوظائف المحلية، لا تزال الحكومة تحث المواطنين على التوجه إلى البر الرئيسي للصين بحثاً عن فرص. ومع ذلك، أبدى 79% ممن استُطلعت آراؤهم حديثاً عدم اهتمامهم بالعمل أو العيش في الصين القارية.

وبدلاً من دعم قطاع التكنولوجيا المحلي المتعثر، فاقمت الحكومة الأمور سوءاً، ومنحت ذراعاً تابعة لشركة الصين للعلوم وصناعة الطيران أكثر من 220 مليون دولار من العقود الحكومية، مما أدى إلى تقويض شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات المحلية لصالح الشركات المملوكة للصين في البر الرئيسي.

كما تفضل سياسات التكنولوجيا الحكومية إنفاق المليارات على مشاريع البنى التحتية الضخمة التي يتطلب إعدادها عقوداً من الزمن، مثل مجمع شينزين للابتكار والتكنولوجيا في «لوك ما تشاو» في هونغ كونغ، والذي كلف أكثر 6.7 مليار دولار، ولن يتم تشغيله كقاعدة رئيسية للتعاون في البحث العلمي حتى أواخر عام 2024.

في مقابل ذلك، تعمل هونغ كونغ على اتباع نهج الاقتصادات الآسيوية المتطورة الأخرى مثل سنغافورة، في محاولة منها لجذب المواهب النخبوية واستقطاب ذوي الدخل المرتفع أو الخريجين من أفضل 100 جامعة في العالم. وتقول الحكومة المحلية إنها تلقت 2600 طلب خلال أسبوع من إطلاقها الحملة، ووافقت على 1400 منها، وبأنها تستهدف استقبال 35 ألفاً من هذه الكفاءات على مدى السنوات الثلاث المقبلة. لكن في الواقع، إن أكثر ما تحتاجه هونغ كونغ من بين هؤلاء هم المهندسون والمديرون من المستوى المتوسط الذين فقدتهم لصالح الغرب.

وفي آخر تصنيف لأفضل مدن العالم للمغتربين بحسب «إكسابت سيتي 2022»، احتلت هونغ كونغ المرتبة 46 من أصل 50 مدينة عالمياً. وسجلت أدنى المعدلات بالنسبة للمغتربين في مؤشرات السعادة وجودة الحياة والاستقرار السياسي. وتقتصر جاذبية هونغ كونغ الآن على العمال من الصين القارية حيث ترتفع معدلات البطالة بين الشباب، بما فيهم خريجو الجامعات.

حتى دور هونغ كونغ كواحدة من مراكز الاتصالات والإنترنت الرائدة في آسيا ربما أصبح شيئاً من الماضي. فمنذ عام 2020، علقت السلطات الأمريكية أي موافقة على توصيلات الكابلات البحرية الجديدة بهونغ كونغ، مما أدى إلى خنق النمو في سعة الإنترنت. فضلاً عن شركات التكنولوجيا الصينية التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، والتي كثيراً ما تجد نفسها على قوائم العقوبات الأمريكية. من ناحية أخرى، ستضع المقترحات التشريعية الجارية مزيداً من الأعباء والمسؤوليات القانونية على منصات التكنولوجيا العالمية، خاصة فيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بالأمن القومي.

يتضح مما سبق أن الطريقة الوحيدة لوقف هجرة المواهب في هونغ كونغ وإعادة قطاع التكنولوجيا إلى مساره الصحيح، هي عكس المسار السياسي الذي تنتهجه الحكومة حالياً، واستبدال البيروقراطيين الذين يفتقرون إلى رؤية وكفاءة عاليتين.

لكن هذا قد لا يحدث. فازدهار هونغ كونغ منوط بتمايزها عن الصين، أما اندماجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي جعلها مثل الصين تماماً التي لم تعد ترى أنها بحاجة إلى بيضة هونغ كونغ الذهبية، وتريد منعها فقط من أن تكون داعماً سياسياً بجانبها.

* عضو المجلس التشريعي السابق في هونغ كونغ، وباحث في مركز السياسة الرقمية العالمية بجامعة ستانفورد(يوراسيا ريفيو)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/428tcxzz

عن الكاتب

عضو المجلس التشريعي السابق في هونغ كونغ، وباحث في مركز السياسة الرقمية العالمية بجامعة ستانفورد

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"