عادي

جحا ولافونتين فنانا السخرية

20:38 مساء
قراءة 3 دقائق
جحا ولافونتين

القاهرة: «الخليج»

أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب «جحا ولافونتين براعة التأصيل واحترافية التأويل» لأمينة عبد الله سالم، وتكمن أهمية هذا الكتاب في تفسير وتحليل التباين الثقافي في تأويل النص وصور القصص عند جحا ولافونتين، مع توضيح أوجه التشابه والاختلاف في نص كل منهما وصوره، فتمثل قصص جحا الثقافة العربية بما تحمله من قيم ونصائح وفكاهة وسخرية وذكاء نابعة من سمات الشعوب العربية التي لا تتباين كثيراً عن باقي شعوب العالم، معتمداً على الأشخاص أكثر من اعتماده على الحيوانات في أحداث القصة، كتجسيد للواقع.

أما قصص «لافونتين» فهي تمعن في التركيز على الحياة السياسية التي مرت بها فرنسا، وعاش في ظلها الكاتب، وأنتج من خلال أحداثها نصاً أدبياً يعتمد على التأويل، ليلقي النص قيماً ساخرة ودهاء ومكراً وذكاء، معتمداً على أسلوب التشخيص في رموز الحيوانات، لكي يؤثر النص في القارئ في شكل تلميح لأحداث الواقع، كسبيل للخروج من مأزق الصمت العقيم – على حد تعبير توفيق الحكيم – لذا اختارت المؤلفة نمطين متباينين في الكثير من الأشياء، وليس معنى ذلك أنه تباين قاطع ولكنهما تشابها في العديد من السمات.

**خلفيات

تشير المؤلفة إلى أن السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي جاءت فيه قصص جحا ولافونتين له دور مهم في فهم المعاني التي وضعت من أجلها هذه القصص، والتي عكست لنا الحياة العامة التي عاش فيها الكاتب، لهذا لا يمكننا بأي حال من الأحوال الكشف عن الدلالات والمضامين والرموز التي شبع بها المؤلف النص الأدبي إلا بالوقوف على الخلفيات التاريخية والثقافية التي بإمكانها إزالة الغبار عن الكثير من المعاني التي لم يصرح بها المؤلف بشكل مباشر، والتي بإمكاننا رؤيتها عن طريق الحوار الذي جرى بين الأشخاص المحوريين في القصة.

قيل عن جحا إنه تركي الأصل، واختلف بعض المؤرخين في كشف الستار عن شخصيته الحقيقية، وذهب بعضهم إلى أنه شخص وهمي، لكن لا سبب للشك في وجوده، فالثابت أنه عاش في القرن الأول للهجرة في العراق، بل إنه شخصية حقيقية ذات واقع تاريخي، إذ قضى الشطر الأكبر من حياته في الكوفة، ما يعني أنه عاش في أواخر الدولة الأموية، ثم أدرك سقوطها إثر الصراع العسكري (الدموي) الذي نشب بين الأمويين والعباسيين، لذلك كان الوجدان الشعبي يبتدع النوادر، ثم يلصقها بشخص جحا، وقد وجد جحا آخر عند الفرس، وآخر عند الترك.

أما لافونتين فقد طرق فنوناً أدبية متنوعة فنظم الشعر في مختلف الأغراض من مدح ورثاء وغزل وهجاء ووصف وشعر ديني وشعر تعليمي، ونظم مجموعة من الحكايات والقصص، وكتب الخطب والرسائل والتمثيلية والأوبرا، لكن الفن الذي اقترن به وخلد ذكره وكان سبب شهرته في العالم أجمع هو فن الخرافة، أما أسباب تفوقه في هذا الفن فترجع إلى أنه أمضى طفولته وصدر شبابه لاهياً متجولاً في الغابات الملكية، التي كان والده يتولى الإشراف عليها، فأتاحت له هذه النشأة العيش في أحضان الطبيعة، وتأمل كائناتها وخاصة الحيوانات.

**سمات

كان السياق البيئي الذي عاش فيه لافونتين له أثر كبير في جعله الحيوانات أبطالاً لقصصه وحكاياته، فقد اقتبس من البشر السمات التي تتفق مع الحيوانات ووظف هذه السمات في اختياره لأبطال حكاياته، ليخرج أعمالاً أدبية ذات مذاق خيالي ساحر، يجعل المتلقي يسبح في عالم الطبيعة لكشف أسرار عالم الحيوان، وقد سطع نجمه في فرنسا وخارجها، وحفظت خرافاته في الذاكرة الشعبية العالمية، وفي أروقة الأدب وساحات النقد، وذاع صيته في الصالونات الأدبية لكبار الفلاسفة والفنانين، وعجز من جاء بعده عن محاكاته، ومن أراد أن يسأل فرنسا عن سبب سرورها في القرن السابع عشر فستجيبه: «بسبب خرافات لافونتين ومسرحيات موليير».

ينطلق هذا الكتاب من تحديد الملامح والسمات المشتركة بين نصوص «جحا ولافونتين» ووصفها وتحليلها باستخدام المعايير اللغوية وغير اللغوية، لتصوير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة في المجتمع من خلال مجموعة من المفاهيم منها التباين الثقافي والتأويل والنص والصورة والحكاية الشعبية، وأخيراً الحكاية الخرافية.

جاءت عينة البحث في الكتاب، في ضوء المدخل المقارن الذي يجمع أنماطاً من التراث الشعبي العالمي، بهدف رصد الحكي على امتداد الشرق والغرب في إطار يكشف المشترك الإنساني دون إغفال خصوصية السياق، ويسعى إلى الإفادة من التنوع الثقافي في تأويل الحكاية الشعبية من خلال التعرف إلى أشكال التأويل وحدوده، والوقوف على طبيعة الصورة التي تكمن في الحكاية والعوامل التي أدت إلى تشكيلها، ومن ثم الكشف عن القيم الإنسانية في الحكاية الشعبية وأثرها التعليمي والتربوي، بالإضافة إلى الترفيه والتسلية والامتاع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckprjhc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"