نقطة نظام في الشعر الجاهلي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل من شكوك في صحة بعض الشك في الشعر الجاهلي؟ هل ثمّة مسائل تحتاج إلى إعادة نظر؟ هل كانت القضايا التي طرحها المستشرقون الشكّاكون، من قبيل مارجوليوث، وبعده عميد الأدب العربي طه حسين، شاملة شافية؟ التعريج أمس على نشأة أوزان الشعر العربي في العصر الجاهلي أثار شؤوناً ذات شجون بعضها سبق للقلم طرحه.
تحسن الإشارة إلى أن التشكيك في الشعر الجاهلي، من حيث زمان نشأته وأصالته وصدقيته، مباحث منفصلة تماماً عن موضوع استحالة ظهور إيقاعات الشعر العربي كلها ودفعة واحدة في العصر الإسلامي، في قرن أو حتى في قرنين. على أهل البحث العلمي الأدبي نقّاداً ومحققين، أن يعيدوا النظر في مقولات المستشرقين والدكتور طه حسين في ضوء السؤال المحوري التالي: إذا كانت الأشعار الجاهلية مختلقة، مزوّرة، منتحلة، وأنها صناعة أمويّة عباسيّة، بدعوى أن الناس قبل الإسلام لم يكن لهم كلام موزون مقفّى، فكيف حدث انفجار بركان الأوزان فجأة في فجر الإسلام أو ضحاه؟ بأيّ معايير علمية وأيّ منطق استدلالي يمكن الاقتناع بأن ستة عشر بحراً ظهرت فجأة معاً بغير مقدمات ولا مراحل تمهيدية تطورية تكاملية، وقيلت فيها آلاف القصائد المتزامنة؟ الدعابة الفاقعة هي أن شعراء العصرين الأموي والعباسي لم يكونوا جميعاً من أصلاب قحطانية وعدنانية، وأرحام عاربة ومستعربة، فمن بين كبارهم هم فُرس وروم وأتراك وأكراد. سبحان الله تعاهدوا فجأة على اختراع أوزان الشعر العربي!
التداعيات كثيرة: إذا سلّمنا افتراضاً بغير اعتراض، بأن الشعر الجاهلي غير جاهلي من حيث المضمون، وبأنه من اختلاق العصر الإسلامي، (بعض الشكوك علميّ تدعمه براهين قوية)، فهل يعقل أن تنبت الأشكال، أي الأوزان وما يكسوها من أساليب، كالفُطر فجأة؟ هل يمكن في بضعة عقود أو حتى مئة سنة، بلوغ مستوى القصائد التي يُدّعى أنها ليست من شعر امرئ القيس، لبيد، عمرو بن كلثوم، الأعشى..؟ دعنا من تقويم صدقية المحتوى وأصالته، فالتقنيات الأسلوبية ذات البناء المتطور المعقّد، تحتاج إلى زمن مديد من النشوء والارتقاء. تجاهل هذه المراحل أو نفيها، شبيه بأن يقول أحد: إنه لا وجود لموسيقى كلاسيكية قبل باخ. محال تخيّل ستة عشر وزناً تظهر فجأة وتورق وتزهر وتثمر لها أساليب في مدّة محدودة، ذلك يشبه انبثاق كل مقامات الموسيقى وأرقى الأعمال التي أُلّفت فيها دفعة واحدة كالفُطر بلا جذور.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحقيقية: على الأدباء والنقاد إعادة فتح ملفّات هذه القضايا، فهي لم يبتّ فيها حتى الآن.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzffpsv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"