عادي

أوروبا و«الناتو».. و«الأمن المجاني»

23:38 مساء
قراءة 4 دقائق
مقر الناتو

جيسون ديفيدسون *

كان للرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب توافق نسبي حول مساهمة شركاء الولايات المتحدة من الدول الأوروبية في مالية حلف الناتو، خاصة فيما يتعلق بمبدأ «الانتفاع المجاني» الذي يناور بعض أعضاء الحلف للاستمتاع به.

أوجدت اتفاقية قمة ويلز لعام 2014، مخرجاً مؤقتاً من خلال وضع حد أدنى للإنفاق الدفاعي عند 2% من الناتج الإجمالي لكل دولة عضو في غضون عقد من الزمن، وقد استغلها صناع السياسة والمعلقون الأمريكيون للضغط على حلفاء الناتو لتحقيق ذلك الهدف. فهل أدى كل هذا النقد إلى تغيير ملموس في السياسة؟ أم أنها أحدثت انقساماً داخل الحلف في الغالب؟

للوهلة الأولى، بدت الأحداث منذ حرب أوكرانيا وكأنها تثبت صحة مبدأ الانتفاع المجاني، بعد أن أكدت الولايات المتحدة التزامها بالدفاع عن أعضاء الناتو، علماً أن إنفاقها الدفاعي يقزم إنفاق بقية الأعضاء. ومع ذلك، تشير الأدلة إلى أن معظم أعضاء الناتو قد زادوا من إنفاقهم الدفاعي في العام الماضي أو يخططون للقيام بذلك على المدى القريب. كما أظهرت الأدلة أن حلفاء واشنطن الأوروبيين يتخذون قرارات الإنفاق الدفاعي بناءً على التهديدات التي يرونها، وأن تصرفات الولايات المتحدة وانتقاداتها ليست بنفس الأهمية التي يود الأمريكيون التفكير فيها.

دافعو الضرائب الأمريكيون مغفلون!

والفكرة التي طرحها أوباما وترامب وآخرون ممن يتهمون حلفاء الناتو بالتمتع بحرية التصرف، تقوم على أن الحلفاء ينفقون على الدفاع عملياً أقل مما قد ينفقونه في غياب الميزانية العسكرية الأمريكية الهائلة والتزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا ضد أي هجوم.

ووفقاً لوجهة النظر هذه، فإن دافعي الضرائب الأمريكيين مغفلون ساذجون، يوفرون الأمن للأوروبيين الذين، بدورهم، ينفقون بسخاء على الرعاية الاجتماعية والبنية التحتية بدلاً من ضمان الدفاع عن أنفسهم.

وتتلخص مشاكل الناتو من الانتفاع المجاني في أن المبلغ الإجمالي الذي ينفقه جميع أعضاء الناتو على الدفاع لا يمثل منفعة عامة، بالنظر إلى أن كل عضو في الناتو يمكنه أن يقرر المساهمة في عمليات الناتو العسكرية أو عدمها بموجب المادة الخامسة.

كما أن بعض الأعضاء ينفقون على دفاعهم، كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، أكثر بكثير من غيرهم، وهذا لن يكون مبرراً في حال مواجهة الأخطار المباشرة.

وأخيراً لا ينطبق منطق العمل الجماعي إلا إذا اتفق جميع الشركاء على طبيعة كل من المشكلة والحل. فإذا كان أحد أعضاء الناتو لا يرى روسيا على أنها تهديد لوحدة أراضيه مثلاً، فلن يزيد إنفاقه الدفاعي فوق 1% حتى لو أغضب الحليف الأمريكي.

لكن يبدو أن عالم 2022 وفر بيئة مثالية للانتفاع المجاني الأوروبي وفقاً لهذا المنطق. فقد أنفقت الولايات المتحدة 766 مليار دولار على الدفاع عام 2021، وهو ما يزيد على ضعف ما أنفقه باقي أعضاء الناتو مجتمعين.

وقد تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تولى منصبه في يناير/ كانون الثاني 2021، بالدفاع عن حلفاء الناتو إذا تعرضوا للهجوم. ومع بدء حرب أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، كررت إدارة بايدن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفاء الناتو. كما أرسلت عشرين ألف جندي إضافي إلى الجناح الشرقي للحلف لطمأنة الأوروبيين وردع الروس، ليصل إجمالي القوات الأمريكية في القارة إلى مئة ألف. وهذه مبررات كافية لركون الأوروبيين للسخاء الأمريكي والاستمتاع بالانتفاع المجاني في أبهى صوره.

وربما بررت الظروف الاقتصادية والضغوط المالية تقاعس الحكومات الأوروبية عن الإنفاق على الدفاع. فبعد الانكماش بنسبة 6.2٪ في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، نما الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 5.2٪ في عام 2021، لكنه انخفض إلى 3.1٪ في عام 2022 بسبب الحرب في أوكرانيا والضغوط التضخمية التي أعقبت الوباء. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم جعل الاقتراض الحكومي أكثر صعوبة، وهو أمر يمثل مشكلة خاصة بالنظر إلى ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في معظم البلدان الأوروبية.

وتعهدت سبع حكومات إضافية في الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في المدى القريب هي جمهورية التشيك، والدنمارك، وإيطاليا، ولاتفيا، والنرويج، وبولندا، ورومانيا.

ووافق مجلس وزراء لاتفيا في مارس 2022، على زيادة الإنفاق الدفاعي من 2.2٪ إلى 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025.

زيادة ميزانيات الدفاع

والخلاصة أنه في حين أن الميزانية العسكرية الهائلة للولايات المتحدة والالتزام المتجدد بالدفاع عن أوروبا قد وفر حوافز الانتفاع المجاني في عام 2022، استجاب العديد من الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة للتهديد المتزايد من روسيا من خلال زيادة إنفاقهم الدفاعي على الفور أو الإعلان عن أنهم سيفعلون ذلك، في السنوات المقبلة.

ويقول العديد من صانعي السياسة والمعلقين الأمريكيين أن حلفاء الناتو يتملصون من الإنفاق الدفاعي بسبب السخاء الأمريكي والتزام واشنطن بالدفاع عن أوروبا. لكن الأدلة من العام الماضي تشير إلى أنه عندما يرى حلفاء الناتو تهديدات شديدة، فإنهم ينفقون المزيد على الدفاع.

ونستنتج مما سبق أنه من الأفضل لصناع السياسة الأمريكيين الكف عن توبيخ حلفاء الناتو علناً بسبب الإنفاق الدفاعي. فبينما تبدو بعض الضغوط الخاصة مفيدة، فمن المرجح أن يؤدي النقد العام إلى تقسيم الحلف، ومن غير المرجح أن يحقق النتيجة المرجوة. ثانياً، يجب أن تكون الولايات المتحدة أقل تركيزاً على ما إذا كان سلوكها يشجع على الانتفاع المجاني الذي لا يقر به الأوروبيون.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماري واشنطن.(المجلس الأطلسي للأمن)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mb2weua2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"