لأول مرة عقوبات صينية على شركات أمريكية

22:58 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

تحولت العقوبات الاقتصادية في العقود الثلاثة الأخيرة، إلى سلعة أدمنت استهلاكها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حتى تحولت إلى مادة «دخيلة» على مواد وموضوعات العلاقات الاقتصادية الدولية.

كانت هذه المواد والموضوعات، كما هي في علم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية الدولية، معروفة بعوامل الإنتاج Means of production (الأرض والعمل ورأس المال)، والتجارة في السلع والخدمات، وتصدير واستيراد رأس المال (حركة رأس المال عبر الحدود)، وانتقال الأشخاص الطبيعيين عبر الحدود، ومنتجات العلوم والمعارف التكنولوجية.

الآن أصبحت العقوبات الاقتصادية، عنصراً أساسياً من عناصر العلاقات الاقتصادية الدولية، لكن ليس باعتبارها محفزاً لنمو تجارة السلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال والأشخاص الطبيعيين عبر العالم، وإنما باعتبارها، للأسف الشديد، كابحاً لجميع محركات دورة النمو في الاقتصاد العالمي. فقد باتت تشكل حيزاً متعاظماً من المؤسسات والعاملين المشتغلين في وظيفتها. ورغم محليتها المفترَضة (بحسبان أنها محض أمريكية أو أوروبية)، إلا أن الدول التي تمارسها (بلدان أوروبا وأمريكا أساساً) تجبر الدول المستقلة على إنشاء أجهزة من ميزانياتها الوطنية في البنوك المركزية ووزارات المالية والاقتصاد والعدل، من أجل تنفيذ طلبات وتوجيهات وزارة الخزانة ووزارة العدل الأمريكيتين اللتين تشرفان بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، على تنفيذ العقوبات الأمريكية – ما أدى إلى رفع مرتبة هذه العقوبات إلى مصاف مواد وموضوعات العلاقات الاقتصادية التبادلية الدولية، رغم أن موضوعها غير مدرج، ولم يدرج بتاتاً، في اتفاقيات وقواعد منظمة التجارة العالمية، ولا في نقاشاتها!

إنما المستجد في العنصر السلبي للدورة الاقتصادية العالمية، هو أنه بعد أن كان سلاح العقوبات من اختصاص أمريكا وأوروبا، تكادان تنفردان باستخدامه، دخلت الصين إلى هذا «الميدان» كمبادر لاستخدامه، وضد شركات أمريكية تحديداً. فقد غرّمت الصين شركتين أمريكيتين هما «لوكهيد مارتن»، و«رايثيون ميسل» ما مجموعه 99 مليار يوان، عقاباً لهما على قيامهما ببيع تايوان العام الماضي 2022، أسلحة بقيمة 49.5 مليار يوان. وأعطيت الشركتان مهلة نهائية لتسديد المبلغ خلال 15 يوماً، حيث وصلت الغرامة إلى وزرارة التجارة الصينية. علماً بأن الشركتين تتمتعان بعلاقات عميقة مع شركات صينية قابضة تعمل في المجالين المدني والعسكري، فضلاً عن تزودهما من الصين بحاجاتهما من المعادن الأرضية النادرة. كما أن بكين قد تلجأ إلى معاودة إسقاط سندات الخزانة الأمريكية بمعدل 10 ملايين دولار يومياً إذا لم تدفع الشركتان الغرامة. ويوم الخميس 16 شباط/فبراير 2023، وضعت الصين الشركتين على قائمة «الكيانات غير الموثوق بها»، وحظرها من الواردات والصادرات ذات الصلة بالصين.

على أية حال، فإن هذه العقوبات الأحادية الجانب، بغض النظر عن الدولة التي تفرضها، تبقى غير شرعية من وجهة نظر القانون الدولي، بما في ذلك قواعد منظمة التجارة العالمية؛ أي أنها لا تُلزم سوى الجهة/الدولة التي أقرتها وفرضتها. فهي غير صادرة عن جهة دولية شرعية مثل الأمم المتحدة، وإنما من قبل دولة واحدة من الدول الأعضاء ال 193 فيها.

ولولا الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة، التي بدت في السنوات الأخيرة وكأنها أدمنت تعاطي سلاح العقوبات في علاقاتها الدولية، لكانت العقوبات الأمريكية الأحادية بلا جدوى ولا قيمة اللهم أن ضررها سيقع على مُقِرّتها وفارضتها التي ستخسر سوقاً من أسواق تصريف منتجاتها، وستفقد شركاتها فرص الفوز بمشاريع استثمارية تعاقدية.

يتحاشى الإعلام السائد في الدول الفارضة للعقوبات، مقاربة تأثيرات العقوبات في الاقتصاد العالمي، وإن قاربها فمن باب التهوين والاحتمالات بمساهمتها في حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار السلع على مستوى العالم، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي. لكن صندوق النقد الدولي أشار، بصورة غير مباشرة، إلى مسؤولية العقوبات عن تراجع نمو الاقتصاد العالمي عما كان متوقعاً، من 6% في 2021، إلى 3.2% في 2022، و2.7% في عام 2023، ويمكن أن يراجع الصندوق هذا التوقع أيضاً في حال استمر زخم العقوبات والحرب الباردة. هو يخص بالإشارة في هذا الصدد، تأثيرات تداعيات كوفيد-19 وأسعار الفائدة المرتفعة حصراً، كسببين لتباطؤ الاقتصاد العالمي.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3n3hm8m9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"