أفكار للإنتاج الرمضاني

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ألا ترى أنه غير صحيح أن نلوم بعض الفضائيات على بثّها نقائض الفنون والإبداع والثقافة والفكر والذوق السليم؟ لماذا لا ننير لها الدروب فلعلها عشواء؟ هذه دعوة خالصة إلى العموم، الغاية منها خيريّة في شهر الخير، تتمثل في تأسيس بنك أفكار على الشبكة لا يحتاج إلى كلمة سرّ، فادخلوه بسلام واعرضوا بضائع مقترحاتكم وعلى الله التوفيق. أربعمئة مليون عربي، حتى في حالة نضوب الكثير من ينابيع القرائح، لن يكون الحصاد أقل من ملايين سنابل الأفكار. حينئذ تنتقي الفضائيات العشرات أو المئات من بنات الفكر والخيال وتقول لشركات الإنتاج: لكم ما تشاؤون، ولدينا مزيد، شريطة ألاّ تتكرر الطرفة الجاحظية، فقد روى أديبنا الظريف أن امرأة طلبت من صائغ أن يصنع لها خاتماً يرسم على فصّه صورة الشيطان، فقال لها إنني لم أرَ إبليس قط، فذهبت وأتته بالجاحظ قائلة: مثل هذا.
شركات الإنتاج الفنّي ستقع في حيص بيص مصيريّ إذا ركبت رأسها عناداً في وجه الفضائيات. الإعلام السمعي والبصري يستطيع القول للمنتجين ببساطة: نحن غير مستعدّين لنقل المواد الضارّة التي تنتجونها إلى مجتمعاتنا وتريدون فوق ذلك أن ندفع لكم ثمن ما تتسبب فيه من أمراض. مسؤوليتنا إزاء الشعوب والأوطان لا تسمح لنا بأن نكون معاول هدّامة. ما ذنب منظومة الأسرة التي تريدون بها التفكك وبأفرادها الانحلال تقليداً للمدنيّة الغربية، التي هي أصلاً منحدرة إلى هاوية التحلل؟ أنتم تتهافتون على الاقتداء بانهيار قيمهم وهم من تداعيها في تداع.
هل تريد شركات الإنتاج تجارة فنيّة رمضانية رابحة؟ في سِيَر المتصوفين عشرات القصص المفعمة بالدراما والعشق والتراجيديا ومنظومات القيم والشطحات الكونية والجماليات بلا حدود. مثلاً: عملاق في قامة محيي الدين بن عربي قليل في شأنه مسلسل شهر، فهو رحّالة من الأندلس إلى دمشق، كان حلاّل مشكلات الناس عند الحاكم، وهو شخصيات كلها إثارة في شخصية. مثل هذا المسلسل يُغرق السيناريست والمخرج في بحر من الخيال. كل عناصر الإبداع الأسطوري ناطقة فاتقة فائقة، لحنها المميّز قصة العشق التي ربطت سلطان العاشقين بملكة الجمال «نظام» ابنة الشيخ أبي شجاع بن رستم الإصفهاني. أمّا «الفتوحات المكية» و«فصوص الحكم» والموشحات على ترتيب حروف الأبجدية، والمقاربات والمقارنات بين نظريّة «الإنسان الكامل» وبين «السوبرمان» فقصص تفوق الخيال.
لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: على غرار مقولة الغزالي نقول، الشركات التي لا يحرّكها التاريخ وأطواره، والتراث وأسراره، فهي هزيلة الإنتاج، ليس لها علاج.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rvf6k59

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"