الكذب أسود أم أبيض؟

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
ما أكثر ما نشعر، حين يحدثنا أحدهم أن ما يقوله كذب، ولكننا لأمر ما لا نميل لأن نقول له بالعبارة الصريحة: كفاك كذباً. قد يكون السبب أننا لا نملك ما يكفي من شجاعة لأن نقول ذلك، أو لا نجد أن الأمر يستحق الدخول في سجال مع هذا «الكذّاب»، مكتفين بقناعتنا حول كذبه، وأحياناً قد تدخل اعتبارات اللباقة واللياقة، كأن يكون من يتحدث كذباً أكبر منا سناً أو مقاماً، ولا نريد إحراجه، فنطأطأ الرؤوس علامة القناعة بصحة ما يقول، فيما نحن مقتنعون بالعكس، ونفعل ذلك ربما دون أن ننتبه إلى أننا، بدورنا، وبهذا الفعل نمارس الكذب على هذا «الكذّاب»!

ولأن في الإعادة إفادة كما يقال، لا بأس أن نعيد حكاية وردت في قصة تشيخوف: «هو وهي»، عن زوجين يثير استمرار علاقتهما الزوجية دهشة معارفهما رغم ما بينهما من عدم تكافؤ، فهي مغنية أوبرا مشهورة فيما هو رجل بسيط جداً. ولشرح السبب يقول تشيخوف على لسان الزوجة: «هو رجل صامت أغلب الأحيان، ولكن إذا همّ أحد الجالسين بالكذب، يرفع رأسه ويقول: كذب. لا أحد مثله يمتلك الشجاعة في إطلاق هذه الكلمة».

تشيخوف محقّ في القول عن ذلك الزوج بأن لا أحد مثله يملك الشجاعة في قول هذه الكلمة وبصرف النظر عن مقامات القائلين، حين يشعر بأنهم في أحاديثهم يكذبون، وإن وجد مثله فعددهم قليل، فهم الاستثناء وليس القاعدة، وهناك تعريف للأمر، لعلّ قائله هو جاك دريدا، في كتابه «تاريخ الكذب» يقول: «الكذّاب ليس هو الشخص الذي يملك القدرة على الكذب، بل هو الذي يميل إلى ممارسة الكذب»، وكأن دريدا، في حال صحة نسبة العبارة إليه، يرى أن كل الناس يملكون القدرة على الكذب إن هم أرادوا، أو لعلّ كل الناس يمارسون الكذب في حياتهم اليومية بدون سوء نية في الكثير من الحالات، فيما يطلق عليه الكذب الأبيض، أما الذين يميلون، بالفطرة أو التكوين، للكذب، فيجب إدراجهم في «القائمة السوداء» للكذب والكذابين.

تقرير طازج نشرته «ديلي ميل» يشير إلى أن كشف الكذب ليس بالمهمة السهلة. ليس الجميع لديهم مهارة الزوج في قصة تشيخوف، وينقل التقرير عن خبراء نصائح خلصوا إليها بعد دراسات على عينات من البشر عن أنجع الطرق لكشف الكذب، لكننا أميل إلى النصح بمبدأ «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين»، خاصة لكشف أكاذيب السياسة والساسة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2mpan8n4

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"