كل من يمارس الكتابة والتأليف أو الفن التشكيلي والنحت أو مختلف فنون الرسم، أو كل ما يقال عنه إنه إبداع ذاتي، يدرك أنه من الأفضل أن يقوم بهذه المهمة وحده، ومن دون إقحام الآخرين فيها؛ بمعنى أنه يجب أن تفعل ذلك من دون أن تطلب رأي الآخرين حول جديتك ومهارتك، ودقة ما أبدعته؛ لأننا مع تراكم الخبرات، أدركنا أننا خلال قيامنا بهذه الوظيفة، فإن طلب المشورة والرأي حولها، يعد مدمراً تماماً لمشروعك الإبداعي، فما سيقال لن يعجبك، ولن يعبر عمّا يدور في خلدك، ولا عمّا هو مترسب داخل وجدانك، وبالتالي كل ما سيقال سيحبطك، ويقلل من معنوياتك، وهو ما يهدد عملك الإبداعي برمته.
على الرغم من هذه الحقيقة، فإن هناك الكثير من المبدعين، خاصة في مجال الكتابة والتأليف، يقومون بتقديم منجزاتهم لبعض المقربين منهم على أمل قراءتها ثم تقديم الملاحظات والأخطاء حتى يتم تلافيها قبل النشر النهائي. وهنا قد يتلقى المؤلف سيلاً من الملاحظات التي قد تضعف منجزه، وتهز الجوانب الإبداعية في عمقه؛ بل الأخطر أنه يعود في عملية تعديل طويلة، وكأنه يصحح نقطة في سلسلة تتداعى النقاط خلفها تباعاً، حتى يقوم بتعديل المنجز بأكمله، وعند نشره يكون قد فقد حيويته وحبكته وعمقه.
لذا يقال عن مثل هذه المهام إنها تعد إبداعاً؛ لأنها تتطلب صانعاً واحداً، يملك مهارة ونفساً طويلاً؛ ولأنها لا تتطلب عمل مجموعة أو أكثر من واحد.
صحيح أن هناك منجزات أدبية تمكن مؤلفوها من إيجاد من يقرأها، ويقدم ملاحظات حولها، فكانت تلك الملاحظات كمشرط الطبيب الحذر الدقيق، ولم تتناول عمق المنجز، ولم تمس جوانبه الحيوية؛ بل عملت على تعديلات سطحية؛ تزيد النص بريقاً وألقاً وحيوية. والسؤال الذي قد يدور في ذهن كل من يتوجه نحو الكتابة والتأليف: أين هذا المشرط الأدبي العميق الحذر المفيد؟ قد نصل إلى موضوع مهم يتعلق بحضور النقد ووظيفة الناقد، ومتى هذا الحضور هل هو قبل النشر أم بعده؟، وعلى الرغم من هذا فإننا لا نشاهد هذا النوع البناء من النقد لا قبل النشر ولا بعده؛ لأنه غائب تماماً، وهذه واحدة من المشاكل التي تعترض العمل الإبداعي العربي بصفة عامة، وهي واحدة من النقاط الحيوية التي يجب الالتفات إليها، ومراجعتها والعمل على تقوية النقد، وأن يكون له حضوره الفاعل في مختلف المهام التي تتطلب إبداعاً ومهارة ذاتية.