بين التقارب والتباعد

22:21 مساء
قراءة 4 دقائق

ديفيد هايوارد*

يجادل التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة «المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة»، للأبحاث المستقلة، والذي حمل عنوان: «مستقبل العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي»، بأن التغييرات في العلاقة بين الجانبين من المرجح أن تكون بطيئة وتدريجية في المستقبل القريب، وقد ينتج عنها على الأرجح تغييرات متواضعة في إجراءات التبادلات التجارية، بدلاً من أي تطور جوهري آخر، كالانضمام إلى السوق الموحدة.

ومن الصعب الاختلاف مع هذا الاستنتاج الذي أشار إليه التقرير، خصوصاً مع وجود هامش سياسي ضئيل على جانبي القناة يعيد النظر بشكل كبير في شكل العلاقة ومضمونها. وعلى المدى القصير، قد يكون من الأسهل تخيل ما سيؤول إليه الوضع المتدهور، إذا ما استمر الخلاف بشأن بروتوكول أيرلندا الشمالية، على سبيل المثال، مستعصياً على الحل في الجانب البريطاني.

ومع ذلك، وطالما أن وجود علاقة أوثق بين التكتلين أمر غير منتظر على المدى القصير، فماذا عن إمكانية حدوث تغيير جوهري على المدى الطويل؟ هذا لا يعني التنبؤ بالمستقبل، لكن المستقبل في الوقت ذاته ليس مجهولاً تماماً، لأنه يحمل آثار الحاضر. ونتيجة لذلك، من الممكن أخذ الأدلة المتاحة حالياً بعين الاعتبار وتصور مشهدين مختلفين لما ستؤول إليه الأمور: استمرار الوضع الراهن ل «بريكست» مع بعض التغيير التدريجي ربما، أو بدلاً من ذلك، علاقة أوثق بكثير مع الاتحاد الأوروبي. ونظراً لأن السيناريو الأول مفهوم نسبياً بشكل جيد، سنركز على الاحتمال الثاني.

من الدلائل الأكثر إقناعاً على «التقارب» هو تغير الرأي العام منذ الاستفتاء. ففي استطلاع حديث للرأي، فضّل 58% من المشاركين عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي. ويرجع ذلك إلى تحول في آراء الناخبين السابقين (والممتنعين عن التصويت) والاستبدال الديموغرافي للناخبين الأكبر سناً، الذين غالباً ما يكونون أكثر تأييداً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بناخبين أصغر سناً، يفضلون الوحدة. وتقول إحدى الإحصاءات، إن هذا التأثير الديموغرافي كان من الممكن أن يكون مسؤولاً عن نحو 35% من الانخفاض في دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي آنذاك.

مع ذلك، لا يزال هناك تحديات معقولة لعمق واستمرارية الاقتراع الحالي، ربما عند النظر إلى المقايضات المرتبطة بالانضمام إلى السوق الموحدة، مثل حرية الحركة أو الالتزام بالقواعد، أو ببساطة احتمال إجراء مفاوضات طويلة ومؤلمة، عندها سيزداد الدعم للوضع الراهن والمتمثل في استمرار وجود بريطانيا خارج قواعد الاتحاد الأوروبي. قد تكون هذه الحجة صحيحة نوعاً ما، ويدعمها إلى حد كبير استطلاعات رأي أكثر تفصيلاً.

وفي حين أنه من المعقول التعامل مع الاقتراع اليوم دليلاً على التغيير المحتمل في المستقبل، فمن الصحيح أيضاً افتراض وجود فرصة ضئيلة لعلاقة أكثر موثوقية على المدى القريب. ونتيجة لذلك، من الضروري دراسة سبب استمرار المستوى الحالي للدعم العام لفكرة «التقارب» على المدى الطويل. وفي هذا الصدد، لا بد من توضيح ثلاثة مفاهيم ضرورية للمضي قدماً: أولاً، لا يزال يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه لا يسير على ما يرام. ثانياً، استمرار الصعوبات التي تواجهها البيئة الاقتصادية الحالية. والثالث، عدم امتلاك الحكومة مساحة سياسية لدعم وتنفيذ علاقة أوثق.

إضافة إلى ذلك، هناك افتراض أساسي مفاده بأن الاتحاد الأوروبي (والبلدان ذات الصلة) لن يتصرفوا بطريقة تستدعي حق النقض ضد علاقة أوثق مع المملكة المتحدة، وهذا بالطبع يخضع لمصالحهم القانونية والسياسية.

في المنظور القريب، هناك القليل من الأدلة على أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيعمل بشكل أفضل. ولدى الحكومة البريطانية الكثير من المبادرات المتعلقة بخروجها من الاتحاد، لكن يبدو أنها في الوقت الحالي أكثر تركيزاً على استقرار الوضع الداخلي على جميع الصعد. وبينما يقترح حزب العمال تغييرات مختلفة على الترتيبات الحالية، لا يبدو أن أياً من هذه المبادرات يوفر تقدماً ملموساً.

ومن الواضح أيضاً أن الآراء السلبية بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مدفوعة بشكل متزايد بالمخاوف الاقتصادية المتعلقة بكل من الخروج بحد ذاته والضعف الاقتصادي العام. ونتيجة لذلك، من المعقول الاعتقاد بأن الأداء الاقتصادي الأفضل لبريطانيا قد يؤدي إلى تحسن المعنويات بشأن صواب قرار «بريكست». لكن احتمالات النمو الاقتصادي القوي تبدو بعيدة، خصوصاً مع توقعات بنك إنجلترا، في تقريره الأخير عن السياسة النقدية، أن يكون التعافي الاقتصادي في المملكة المتحدة ضعيفاً.

على الرغم من احتمالية بقاء المستوى المرتفع لعدم الرضا الشعبي عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن العلاقة الوثيقة مع الاتحاد تتطلب مساحة سياسية توافقية ضرورية. وبالنسبة للمحافظين وحزب العمال، الذين يعارضون بشدة التغيير الكبير، فهذا الإجماع السياسي هو المحرك الرئيسي للمستقبل القادم. ومع ذلك، إذا خسر المحافظون الانتخابات العامة القادمة، فستتم إزالة عائق رئيسي أمام ذلك التغيير. ومن المنطقي القول إن حكومة حزب العمال ستكون أكثر تقبلاً لفكرة «التقارب» إذا استمرت الظروف الحالية، مع بقاء أغلبية واضحة غير راضية عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

فهل ستتفوق الرغبة في التغيير على المخاوف والصعوبات التي لا مفر منها، أم ستتجلى هذه المعوقات بطريقة أخرى؟

*كاتب ومصرفي استثماري سابق* موقع «المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mt68662p

عن الكاتب

كاتب ومصرفي استثماري سابق

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"