دروس من انهيار «إس في بي»

22:26 مساء
قراءة 4 دقائق

لوكريزيا ريتشلين*

على الرغم من أن بنك وادي السيليكون لم يكن بتلك الأهمية بالنسبة للنظام المصرفي العام للولايات المتحدة، إلا أن إعساره أجبر الاحتياطي الفيدرالي على التدخل لتجنب انتقال عدوى الانهيار، وكشف عدم كفاية نظام تأمين الودائع الجزئي لمؤسسة التأمين الفيدرالية. ومن الواضح أن إطار الاستقرار المالي الذي تمّ تبنيه بعد أزمة عام 2008 يحتاج إلى إعادة ضبط من جديد.

ومن خلال تعريض العديد من الشركات البارزة عالية النمو في قطاع التكنولوجيا للخطر، وضع فشل البنك بالتأكيد ضغوطاً سياسية كبيرة على مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وما التدخل الطارئ للمجلس، عندما قدم ضمانات شاملة ومتساوية للودائع من سندات الخزانة وقروضاً ممددة للبنوك الأخرى، إلا إشارة إلى قلقه البالغ حقاً من تعويم الأزمة.

والآن، أجبرت أحداث بنك «كريدي سويس» الأخيرة المنظمين في البنوك الأوروبية على التفكير مليّاً في إجابة شافية للسؤال عينه، «هل كشف انهيار بنك وادي السيليكون هشاشة الاستقرار المالي الحالي، أم هو مجرد فشل محلي في الإدارة؟»

من الواضح أن هناك فشلاً في الإدارة والإشراف فيما يخص إعسار «إس في بي» الذي جاء نتيجة تعرضه «المتوقع تماماً» لارتفاع أسعار الفائدة. فقد استخدم البنك ودائع العملاء لتمويل استثماراته في محفظة من سندات الخزانة الأمريكية التي كانت على وشك الانخفاض في القيمة عندما بدأ الفيدرالي بتشديد سياسته النقدية قبل عام. ولم تكن المشكلة في مخاطر الائتمان أو مخاطر السيولة فحسب، بل كانت أيضاً شكلاً واضحاً من أشكال مخاطر السوق.

وربما تكون «اختبارات الإجهاد» المعتادة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي قد جنبت إدارات البنوك الإحراج، باستثناء أن «إس في بي» تمّ إعفاؤه من هذا المطلب، بسبب التغيير التشريعي لعام 2018 الذي زاد من عتبة المشاركة من 50 مليار دولار في الأصول إلى 250 ملياراً، كان لدى البنك المتعثر منها 209 مليارات عندما تهاوى.

تشير هذه الفجوة إلى أنه قد تكون هناك بالفعل مشكلة أعمق في إطار الاستقرار المالي. فمنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، حاول المنظمون على جانبي المحيط الأطلسي تعزيز تنظيم القطاع المالي والإشراف عليه ضمن حدود إطار عمل متسق على نطاق واسع. وتتمثل السمتان الرئيسيتان لذلك في تعزيز دور السلطات والقدرات الإشرافية، مع التركيز بشكل خاص على المؤسسات التي تم تحديدها على أنها «ذات أهمية للنظام المصرفي العام»، وخطط تأمين الودائع الجزئية التي تم تصميمها لحماية الودائع حتى مبلغ معين لكل مودع.

ولأنه لم يتم اعتبار «إس في بي» مهماً من الناحية التنظيمية للسوق الأوسع، اضطر الاحتياطي الفيدرالي عند وقوع الكارثة، ليس فقط لتدخل طارئ واستثنائي درءاً للمخاطر النظامية الناجمة عن انهياره، بل الاعتراف أيضاً وبكل وضوح أن نظام تأمين الودائع الجزئي لمؤسسة التأمين الفيدرالية (إلى جانب القواعد الجديدة بشأن حل البنك) غير مناسب لطمأنة المودعين. فهل كنا سنتوصل لهذه الاستنتاجات المهمة المتكشفة أمامنا لو لم تحصل أزمة مفاجئة؟

بطبيعة الحال، ربما كان منطق «الأهمية المنهجية» لنظام ما بعد عام 2008 يتعلق بصعوبة تفكك مؤسسات ضخمة مثل «ليمان براذرز» أكثر من المخاوف بخصوص ميل هذه المؤسسات الكبرى للتسبب في الأزمات. لكن بعد كل شيء، يمكن أن تبدأ الأزمات المالية بمؤسسات من جميع الأحجام، ويجب وضع قواعد أكثر تفصيلاً وقوة لحل البنوك المتعثرة. لكن ملحمة «إس في بي» تشير إلى أن إصلاحات ما بعد عام 2008 تتطلب تعزيز متطلبات كفاية رأس المال، ووضع قواعد لتسوية البنوك (مع عمليات إنقاذ لحاملي السندات)، وتأمين الودائع الشامل.

يبدو أن تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي كان مدفوعاً بشكل أساسي بالقلق بشأن العدوى المالية، وليس بالحاجة إلى حماية المودعين من الشركات في قطاع مهم استراتيجياً. ولكن في حالة ذراع «إس في بي» في المملكة المتحدة، من الواضح مما لا شك فيه، أن العكس هو الصحيح. فعلى الرغم من عدم إنفاق أموال دافعي الضرائب لإنقاذ المودعين، وقرار الاستحواذ على البنك بجنيه إسترليني واحد من قبل العملاق المصرفي «إتش إس بي سي»، يبقى السؤال مطروحاً، هل طريقة الحل المتبعة هذه هي لحماية قطاع مهم، أم لتنفيذ سياسة صناعية ما؟

في حالة الولايات المتحدة، شهدنا حادثة أخرى طُلب فيها من البنك المركزي استخدام ميزانيته العمومية لحماية النظام المالي. وعلى الرغم من أن أزمات العقد الماضي ربما كانت لها أصول مختلفة، إلا أن إصلاحات البنوك المركزية كانت مماثلة. وفي جميع الحالات، تعمل الحكومة فعلياً بصفتها شركة التأمين التي يتم اللجوء إليها كملاذ أخير.

قد يكون هذا أمراً حتمياً، بل وحتى مرغوباً فيه، بمعنى أنه يوفر الصالح العام للاستقرار المالي. ولكن الدور الموسع للحكومة يدعونا للتساؤل عما إذا كان من الأفضل تجاوز البنوك تماماً والسماح للمودعين، من الأفراد والشركات، بالاحتفاظ بأموالهم في البنك المركزي على شكل عملة رقمية قانونية. ربما سيكون ذلك شكلاً شاملاً للتأمين المسبق على الودائع.

يتضح مما سبق أنه إذا أردنا حماية بعض قطاعات الاقتصاد بغض النظر عن أي شيء، فيجب علينا إنشاء إطار عمل للقيام بذلك في وقت مبكر، بدلاً من محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد وقوع الحادثة. وهذه من بين أهم الدروس التي يجب على صانعي السياسات الاستفادة منها من الأزمة الأخيرة.

*مديرة الأبحاث السابقة في البنك المركزي الأوروبي، وأستاذة الاقتصاد في كلية لندن للأعمال (بروجيكت سينديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s42hptc

عن الكاتب

مديرة الأبحاث السابقة في البنك المركزي الأوروبي، وأستاذة الاقتصاد في كلية لندن للأعمال

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"