مزلزلات المسلسلات

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

هل في العنوان مبالغة تفوق ما يريد العمود قوله؟ حسناً، سيدع القلم الزلازل لعظائم الأمور. ماذا عن رفّة الفراشة التي تتحوّل إلى تسونامي. لا هذا ولا ذاك، ففي الحالتين ينطبق قول شاعرنا: «قد يبعث الأمرَ العظيم صغيرُهُ.. حتى تظلّ له الدماءُ تَصَبّبُ». لكن أين المسلسلات من المزلزلات؟ القصد من وراء جلب الانتباه هو العجب من المنتجين والمخرجين وحتى الممثلين الذين لم يدركوا بعدُ أهمية اللمسات التي تبدو للغافل غير ذات بال، ولكنها في الحقيقة تشبه القلعة العسكرية التي ينسى فيها الحرّاس باباً خلفيّاً صغيراً مفتوحاً. الأدهى أن تكون الثغرات أكثر.

الموضوع أبعد من أن يكون نقداً فنيّاً لمسلسل «الإمام الشافعي»، فالمسلسلات التاريخية تتشارك في الأحزان، فمصابها واحد. في هذا العمل هفوات وزلاّت وفيرة في كل حلقة. عيب أن يكسر الوزنَ الشعريَّ في البحر الطويل، الشافعي الفقيه الشاعر الفصيح، فيقول: وشيخي يتمثل بقول الشاعر: «وخير الأمور ما كان سُنَّةً.. وشرّ الأمور المحدثاتُ البدائعُ»، وصواب الصدر: «وخير أمور الدين ما كان سُنّةً»، ليستقيم الوزن: «فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلُ». هنا تكون متعة المتابعة «انتزعت» بتعبير السوريين.

عيب تشويهي أن تسمع هارون الرشيد يلحن لحن مَنْ لم يسمع عربية قطّ. يقول: «حتى تكونُ القسمة عادلة»، بضم النون. وتلحن أمّه، وتلحن زوجته، لكن لحن الخليفة أعظم، فيتحقق صدْق قول المتنبي: «أنا الطائر المحكيُّ والآخَر الصدى». استطراداً: فاتت أبا الطيب مسألة دقيقة في هذا البيت، لأن الصدى ليس فيه تحريف أو تزييف للصوت ولا هو أدنى. بينما المراد: أنا الذهب الخالص والآخر المعدن الزائف المتشبّه بالنضار، والتوضيح في قوله: «غضبتُ له لمّا رأيتُ صفاتهِ.. بلا واصفٍ والشعرُ تهذي طماطمُهْ». المنتجون الذين يمرّ ذلك اللحن عندهم بلا رقيب، قد يعرضون صناديق بندورة إذا وردت طماطم المتنبي في أحد أعمالهم.

القرينة أحياناً امتحان عسير. لسوء الحظ، تبدو شخصية هارون الرشيد في مسلسل الشافعي غير مقنعة، فالمشاهد يستعيد تلقائيّاً دور الرشيد الذي لعبه نور الشريف في مسلسل «هارون الرشيد». عيب أن يظهر الخليفة العباسي متسرعاً عديم الحكمة والرشاد يأمر بضرب عنق الشافعي، من غير تروٍّ ولا برهان، ثم بعد سماع رأي آخر في كلمات معدودات، يأمر له بخمسين ألف دينار. عيب أن يستعظم الرشيد إلمام الشافعي بشيء من الحديث النبوي: «وتعرف كل هذا؟». أشياء كهذه تلوح نثريات، لكنها تسيء حقّاً إلى مجموع الجهود.

لزوم ما يلزم: النتيجة العملية: القاعدة الإبداعية هي أنّ إهمال أيّ جزئية، يمكن أن يهزّ أركان المسلسل. تلك هي المزلزلات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5et5nckw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"